كل ما مضى في باب التكسير، ما خرج عن الأوزان المشهورة المعروفة، حينئذٍ نحكم عليه بأنَّه حائدٌ عن القياس يعني: شاذ، فَيُحْفَظ ولا يقاس عليه، وكذلك هنا في هذا الباب ما كان على وزن: (فُعَيْل) و (فُعَيْعِل) و (فُعَيْعِيل) على الجادَّة فهو على القياس، وما لم يكن كذلك فحينئذٍ نقول: هذا شاذٌّ يُحْفَظ ولا يُقاس عليه، وهذا عام في أبواب النَّحو كُلِّها، في باب أفعل التفضيل، وفي باب (نِعْمَ وَبِئْس)، وفي باب مرجع الضمير، فالحكم عام.
(وَحَائِدٌ) حَاَدَ يَحِيد .. مائل، يعني: خارج، مائلٌ .. حائدٌ .. خارجٌ، (عَنِ الْقِيَاسِ) إذا كان خارجاً عن القياس حينئذٍ صار شاذّاً، إمَّا شاذ قياساً، وإمَّا شاذٌّ قياساً واستعمالاً، الشَّاذ قد يكون قياساً فقط، وهذا قد يكون موجود كثير، وقد يُوجد في القرآن ولا إشكال فيه؛ لأنَّه فصيح، وقد يكون شاذّاً قياساً واستعمالاً، يعني: لم تستعمله العرب إلا نادر، فنحكم عليه بأنَّه شاذ، هذا لا يجوز القول به في القرآن، نقول: هذا باطل.
وأمَّا الشَّاذ قياساً المراد به: ما خالف قواعد الصَّرف والنحو، حينئذٍ إذا حُكِم عليه بكونه شاذّاً نقول: هذا لا بأس به، قُلْت لكم سابقاً: لا غضاضة في أن يُقال بأنَّ هذا اللفظ شاذ بهذا المصطلح .. لا بأس به، ولكن إذا وجد الإنسان نُفْرَة من نفسه في إطلاق هذا اللفظ لا إشكال، لكن لا يُنْكِر على غيره، تبقى المسألة اصطلاحية فحسب.
(وَحَائِدٌ عَنِ الْقِيَاسِ) أمَّا الشَّاذ قياساً واستعمالاً لم يقل به أحدٌ بوجوده في القرآن البتَّة، يعني: لفظة لم تستعمل إلا على قِلَّةٍ، وهي مخالفة كذلك للقياس، وتوجد في القرآن، هذا لا وجود له، لأنَّه يُنافي الحكم بكون القرآن جملةً وتفصيلاً أنَّه فصيح، يعني: جملةً وتفصيلاً: ألفاظ .. مفردات ومركبات، كله فصيح، في ألفاظه .. كلماته، وفي مركَّباته، حينئذٍ لا يوجد فيه من جهة التركيب ولا من جهة المفردات ما يخالف الفصاحة.
وأمَّا الشَّاذ بكونه خارج عن القياس هذا لا بأس به، ولذلك نقول: وَيَأْبَى .. أَبَى يَأْبَى، (يَأْبَى) عندهم شاذ هذا، حينئذٍ نقول: هذا موجود في القرآن: ((وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ)) [التوبة:32] حينئذٍ هذا شاذٌّ قياساً لا استعمالاً.
(وَحَائِدٌ) أي: خارجٌ، (عَنِ الْقِيَاسِ) فَيُحفظ ولا يقاس عليه:
كُلُّ مَا خَالَفَ فِي الْبَابَيْنِ ..
(خَالَفَ) ماذا؟ (حُكْمَاً رُسِمَا) حُكْمَاً قُرِّرَا .. ثبت، مِمَّا سبق من القواعد العامة، كل ما خرج عن تلك الأحكام السابقة في ذلك الباب وفي هذا الباب، حكمنا عليه بكونه خارجاً عن القياس، حكمه إذا عرفنا أنَّه خارج عن القياس: أنَّه يُحفظ ولا يقاس عليه.
(حُكْمَاً رُسِمَا) هذا مِمَّا جاء مسموعاً فَيُحْفَظ ولا يُقاس عليه، فمما جاء حائداً عن القياس في باب التَّصْغِير قولهم في (مَغْرِب): مُغَيْرِبان، مَغْرِب .. مُغَيْرِب! سمع: مُغَيْرِبان، من أين هذا، لا (فُعَيْعِل)، ولا (فُعَيْعِيِل)، ولا (فُعَيْل)؟ نقول: هذا يُحفظ ولا يقاس عليه، لأنَّهم زادوا ألف ونون: مُغَيْرِبان، من أين جاءت الألف والنون؟ هذا شاذ يُحفظ ولا يقاس عليه.