واستظهر الرضي أنَّ جمعي التصحيح لمطلق الجمع من غير نظرٍ إلى قِلَّةٍ أو كثرة، يعني: مسلمات، مرادٌ به مطلق الجمع، فيصدق على الثلاث إلى ما لا نهاية كأنَّه شمل جمع القِلَّة والكثرة، وكذلك جمع التصحيح إذا كان بواوٍ ونون، شمل ما كان مبدؤه من الثلاثة إلى ما لا نهاية فيصلحان لها، هذا المشهور عند النُّحاة: أنَّ مدلولي جمعي التصحيح هما جمع قِلَّة، وإذا قُرِن جمع القِلَّة بـ: (أَلْ) التي للاستغراق، أو أضيف إلى ما يدلُّ على الكثرة انصرف بذلك إلى الكثرة، يعني: أنَّه من صِيَغ العموم عند الأصوليين، متى الجمع يكون من صِيَغ العموم؟ إذا حُلِّي بـ: (أل).
الفَردُ وَالجمعُ المُعرَّفَانِ ... بِاللاَّمِ كَالْكَافِرِ وَالإِنْسَانِ
الجمع إذا عُرِّف بـ: (أل) حينئذٍ أفاد العموم والاستغراق، وكذلك إذا أُضِيف إلى المعرفة حينئذٍ نقول: يفيد العموم.
إذاً: جمع التصحيح أو جمع المذكَّر السَّالم يدلُّ على القِلَّة ما لم يقترن به (أل) الاستغراقية أو يُضف، حينئذٍ يفيد العموم، يعني: يدلُّ على ما يدلُّ عليه الكثرة.
وإذا قُرِن جمع القِلَّة بـ: (أل) التي للاستغراق، أو أُضِيف إلى ما يدلُّ على الكثرة، يعني: ما تدلُّ الإضافة إليه على الكثرة وهو المعرفة مفردةً أو جمعاً، لأنَّ الإضافة إلى المعرفة تعم ما لم توجد قرينة تخصيص، وهذا مبحثه عند الأصوليين، حينئذٍ انصرف بذلك إلى الكثرة: ((إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ)) [الأحزاب:35] (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ) يعني: إن كُلَّ مسلمٍ، (وَالْمُسْلِمَاتِ) كُلَّ مسلمةٍ، وهما جمع قِلَّة، من أين جاء العموم؟ من (أل) وهذا المثال فيه نظر من جهة أنَّ (أل) هنا موصولة وليست استغراقيَّة، على كُلٍّ المراد: أنَّ الجمع إذا دخل عليه (أل) أفاد العموم.
قال هنا:
أَفْعِلَةٌ أَفْعُلُ ثُمَّ فِعْلَهْ ... ثُمَّتَ أَفْعَالٌ جُمُوعُ قِلَّهْ
(أَفْعِلَةٌ) مبتدأ .. (أَفْعِلَةٌ) نوَّنه للضرورة، لأنَّه غير منصرف، (أَفْعِلَة) لأنَّه صار علماً، كذلك مؤنَّث بالتاء، وكذلك على وزن الفعل، و (أَفْعُلُ) بإسقاط حرف العطف، وهو كذلك ممنوعٌ من الصَّرف ولذلك لم يُنَوِّنه .. ليس للضرورة، وإنَّما التنوين في: أَفْعِلَةٌ هنا للضرورة، ومنع الصرف في (أَفْعُلُ) ليس للضرورة، وإنَّما لكونه علماً وهو على زِنَة الفعل.
(ثُمَّ فِعْلَهْ)، (ثُمَّ) هذا بِمعنى الواو، (ثُمَّتَ) هذه لغةٌ في (ثُمَّ).
ثُمَّتَ أَفْعَالٌ جُمُوعُ قِلَّةْ ..
حَكَم عليها (جُمُوعُ قِلَّةْ)، (جُمُوعُ) هذا خبر وهو مضاف، و (قِلَّةْ) مضافٌ إليه، فُهِم منه أنَّ ما سوى هذه الأربعة من جموع التكسير جمع كثرة، لأنَّ القسمة ثنائية: إمَّا جمع قِلَّة، وإمَّا جمع كثرة، حَكَم على هذه الأربعة بأنَّها جمع قِلَّةٍ، فما عداها جمع كثرة.