احذف (مَا) اسمٌ موصولٌ بمعنى: الذي، في محل نصب مفعول به لقوله: (احْذِفْ)، لأنَّه هو الذي وقع عليه الحذف، وهنا يصدق على الألف، احذف ألف المقصور الذي (تَكَمَّلاَ بِهِ) الألف هذه للإطلاق، (تَكَمَّلاَ بِهِ) (بِهِ) الضمير يعود على (مَا)، (بِهِ) جار ومَجرور مُتعلِّق بقوله: (تَكَمَّلاَ)، والجملة لا مَحلَّ لها من الإعراب صِلَة الموصول.

والذي تكمَّلَ به هو الألف، وَحُذِفت لالتقاء الساكنين، وهي الألف المقصورة واو الجمع أو ياء الجمع، التقى عندنا ساكنان الألف .. ألفٌ المقصور، واو الجمع في حالة الرَّفع، وياء الجمع في حالتي النصب والجر فوجب حذف الألف.

(وَالْفَتْحَ أَبْقِ) يعني: أبق الفتح الذي قبل الألف المحذوفة، حذفتها واتَّصَلت الواو أو الياء، حينئذٍ أبق الفتحة ولا تطبق القاعدة السابقة من أنَّه يجب ضَمُّ ما قبل الواو لمناسبة الواو، أو كسر ما قبل الياء لمناسبة الياء، بل تبقي الفتح كما هو دليلاً على المحذوف.

وأبق الفتح مُشعراً أنت، أو الفتح، يحتمل أن يكون حالاً من فاعل (أَبْقِ) أبق أنت حال كونك مُشعراً بما حُذِف، أو أبق الفتح حال كون الفتح مُشعراً بما حُذِف، يجوز الوجهان، وأيُّهما أولى؟ أبق الفتح حال كون الفتح مُشعراً بما حُذِف، أو أبق أنت الفتح حال كونك أنت مُشعراً، من الذي حذف؟ أنا .. إذاً: أنا الذي أُشْعِر بالفتح، أُبْقِي الفتحة على ما هي عليه ليعلم السامع أنَّ هذا الفتح لم يتغيَّر، فالأولى جعلُه حالاً من فاعل (أَبْقِ) أبق أنت مُشعراً.

(مُشْعِرَاً) حالٌ (بِمَا حُذِفْ)، (بِمَا) هذا جار ومَجرور مُتعلِّق بقوله: (مُشْعِرَاً)، و (حُذِفْ) وهو الألف، هذا صلة الموصول لا مَحل لها من الإعراب، (بِمَا حُذِفْ) يعني: بالمحذوف، وإنَّما لم يُبق الكسر في المنقوص (مُشْعِرَاً) لثقله قبل الواو، المنقوص إذا اتصلت به واو الجماعة: قاضي، الحُكم كالحُكم هنا في المقصور، وهو: أنَّه يجب حذف الياء فتقول: قاضون، ولم تُبق الكسرة مُشعراً بِما حُذِف، والأصل أن نقول: والكسر أبق مُشعراً بِما حُذِف، لأنَّه لا يجوز الحذف إلا إذا دلَّ دليلٌ على المحذوف، هل هذا نقضٌ للقاعدة؟ (قاضون) نحن نقول: قاضِي، ثُمَّ تأتي الواو والنون ..

نحن نقول: لا يجوز الحذف إلا إذا دَلَّ دليلٌ عليه، وهنا قلنا: تحذف آخر المقصور: (وَالْفَتْحَ أَبْقِ مُشْعِرَاً) بالمحذوف، لأنَّه لا يَجوز إلا أن يبقى دليلٌ دلَّ عليه، لماذا استثنينا المنقوص؟ والمنقوص كذلك يُحْذَف (مَا بِهِ تَكَمَّلاَ)؟ إذا جُمِع جمعاً (عَلَى حَدِّ الْمُثَنَّى) قاضي، تقول: قاضون، (قاضِي) الضاد مكسورة .. ما قبل الياء، فقلت: قاضون، حذفت الواو للتَّخلُّص من التقاء الساكنين: الياء والواو، ثُمَّ لم تبق الكسرة (مُشْعِرَاً بِمَا حُذِفْ) وإنَّما قلبتها ضمَّة فراراً من قلب الواو ياءً، لأنَّك لو أبقيتها لقلنا: سكنت الواو وانكسر ما قبلها فوجب قلب الواو ياءً، فقلت: قاضين، فالتبس بالمنصوب أو المجرور، وهذه مفسدة أعظم.

ولذلك عبَّر هكذا النُّحاة قالوا: تعارضت عندنا مفسدتان: مفسدة كبرى ومفسدة صغرى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015