إذًا: مفهومه الدلالة على العدد .. يفهم العدد منه، وأمَّا (رجال) فهذا لا يفهم منه العدد، فلا يُقال بأنَّ (ثلاثة) هي داخلةٌ في الرجال نعم صحيح، لكن من حيث إنَّ (رجال) يدلُّ على جمع، يعني: اثنان فصاعدًا، أو إن شئت قل: ثلاثة فصاعدًا، حِينئذٍ أقلُّ الجمع ثلاثة، لكن هل لفظ (رجال) موضوعٌ لِمَا دلَّ عليه (ثلاثة)؟ لا، لأنَّه قد يكون عشرة، ثُم خصَّصْته فقلت: ثلاثة رجال، فهو قابلٌ للتَّخصيص بالعدد.
إذًا: ما عدا الواحد والاثنين فلا تستفاد العِدَّة والجنس إلا منهما جميعًا الذي هو العدد والمعدود، لا بُدَّ أنْ يُذكرا معًا، فـ: (رجال) يدلُّ على الجنسية، و (ثلاثة) يدلُّ على العدد بخلاف الواحد والاثنين، وذلك لأنَّ قولك: (ثلاثة) يفيد العِدَّة دون الجنس، و (رجال) يفيد الجنس دون العِدَّة، فإن قصَدْتَ الإفادتين جمعت بين الكلمتين.
إذًا: واحد واثنان، نقول: يُخالف الثلاثة والعشرة وما بينهما في حكمين:
أولًا: أنَّهما على القياس يذكَّران مع المذكَّر ويؤنَّثان مع المؤنَّث، بخلاف الثلاثة والعشرة وما بينهما.
ثانيًا: لا يُجمع بينهما وبين المعدود، يعني: لا تمييز لهما، هذا المراد، إذ المعدود في الثلاثة والعشرة وما بينهما يُسمَّى تمييزًا سواءً كان مضافًا أو كان منصوبًا، وأمَّا هنا في باب واحد واثنين لا نحتاج إلى التمييز.
ثَلاَثَةً بِالتَّاءِ قُلْ لِلْعَشَرَهْ ... فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ
(ثَلاَثَةً) بالنَّصب مفعول مُقدَّم لقوله (قُلْ)، لأن المراد به مُجرَّد لفظه (ثَلاَثَةً) الحكم هنا على العدد، ألفاظ العدد قد يُطلق ويُراد به اللفظ عينه .. نفس اللفظ: (ثَلاَثَةً) وقد يراد به المعدود، حِينئذٍ هنا (ثَلاَثَةً) قُصِد لفظه، المراد به هذا العدد بقطع النَّظر عن المعدود، ما هو المعدود بالثلاثة؟ قد يكون كتاب .. قد يكون بيت .. قد يكون قلم إلى آخره، هذا يُسمَّى معدود، وأمَّا اللفظ نفسه وهو (ثَلاَثَةً) نقول: هذا عددٌ.
المقصود هنا قولنا: (ثَلاَثَةً) المقصود العدد نفسه، قد يُجرَّد من التاء وقد تتصل به التاء، فالحكم على اللفظ نفسه لا على المعدود، (ثَلاَثَةً) قلنا: بالنَّصب مفعول مُقدَّم لـ: (قُلْ) على التضمين، لأنَّ المراد به مُجرَّد لفظه، أو إذا أردنا به المعدود حِينئذٍ نقول: لتضمين (قُلْ) معنى: (اذكر).
(ثَلاَثَةً بِالتَّاءِ) نقول: هذا مُتعلِّق بـ: (قُلْ) (قُلْ بِالتَّاءِ) يعني: اذكره بالتاء، إذا ضُمِّن (قُلْ) معنى: (اذكر) يعني: اذكر ثلاثةً بالتاء، (لِلْعَشَرَهْ) كذلك مُتعلِّق بقوله: (قُلْ) فالجار والمجرور بالتاء، و (بِالتَّاءِ ولِلْعَشَرَهْ) متعلقان بقوله: (قُلْ).
(ثَلاَثَةً) جوَّز بعضهم الرَّفع، عرفنا وجه النَّصب (ثَلاَثَةً) على أنَّه مفعول لـ: (قُلْ)، وأمَّا الرَّفع فهذا جوَّزه البعض وهو الكثير ونفاه البعض، فإذا قيل: (ثَلاَثَةٌ) حِينئذٍ يكون مبتدأ، بِالتَّاءِ نعته، و (قُلْ) خبره على تقدير: قُلْهُ، حِينئذٍ لا بُدَّ من ضمير يعود على المبتدأ، لأنَّ (قُلْ) صارت جملة فعليَّة وهو الخبر، لا بُدَّ من رابط، ما هو الرَّابط؟ قيل: محذوف التقدير: قُلْهُ.