قال الشَّارح: " قد سبق أنَّ هذه الفاء مُلتزَمة الذِّكر، وقد جاء حذفها في الشِّعْر، كقوله:
فَأمَّا القِتَالُ لاَ قِتَالَ لَدَيْكُمُ ..
فالأصل: فأمَّا القتال فلا .. هذا الأصل، ولكن هنا حذفت ضرورة في الشِّعْر خاصَّة أمَّا النَّثر فلا، أي: فلا قتال، وحُذِفت في النَّثر أيضاً بِكثرة وبقلَّة، فالكَثْرة عِند حذف القول معها، وهذا جاء حتى في النَّثر .. جاء في القرآن: ((فَأمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ)) [آل عمران:106] يعني: فيُقال أكفرتم، الفاء مع مدخولها الذي هو أصل الجواب حذف، وهذا قياس سائغ.
حِينئذٍ نقول: قوله (وُجُوباً) هذا يَعمُّ ما إذا ذكرت الفاء وكانت محذوفة، لأنَّه حِينئذٍ (أَكَفَرْتُمْ) هذا يجب أن يُقدَّر له: فيقال أكفرتم، فإذا كان كذلك .. إذا وجب التقدير حِينئذٍ قوله: (وُجُوباً) هذا محفوظ، أي: فيقال لهم أكفرتم بعد إيمانكم.
والقليل: ما كان بِخلافه، كقوله صلى الله عليه وسلم: {أمَّا بَعْدُ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ} (مَا بَالُ .. أمَّا بَعْدُ) مهما يكن من شيءٍ بعد كذا .. بعد الحمدلة والصلاة: (مَا بَالُ) الأصل: فَمَا بَالُ، لكن هذا يُمكن تخريجه أن يُقال: فيُقال أمَّا بعد فأقول: ما بال، يعني: يمكن أن يُوجَّه كالآية، حِينئذٍ لا يُقال بأنَّه نادر، بل مِمَّا حذف القول مع الفاء، حِينئذٍ إذا حذف القول وجب حذف الفاء معه ولا تبقى.
هكذا وقع في (صحيح البخاري): ما بال، بحذف الفاء، والأصل: أمَّا بعد: فما بال رجال، فحذفت الفاء، وهذا لا مانع أن يقال: فأقول ما بال، فحذف القول مع الفاء.
إذاً:
. . . . . . . . . . . . . . وَفَا ... لِتِلْوِ تِلْوِهَا وُجُوبَاً أُلِفَا
لا يجوز حذف الفاء البتَّة، إلا في نثرٍ قليل أو شعر كثير، ثُم قد يكون قياساً وقد يكون ضرورةً، إذا قُدِّر القول حِينئذٍ صار قياساً، سواءً كان في الشِّعر أو في النَّثر، وإذا لم يمكن تقدير القول حِينئذٍ نقول: هذا ضرورة كالبيت الذي ذكره:
فَأمَّا القِتَالُ لاَ قِتَالَ لَدَيْكُمُ ..
يعني: فلا قتال، نقول: هذا ضرورة، يعني: يُحفظ ولا يُقاس عليه، مع عداه في الشِّعْر أو في النَّثْر مع القول كثير أن يُحذف الفاء، حِينئذٍ لا يمنع الوجوب أنَّها تُحذف مع الفاء في الشِّعْر والنَّثْر.
وَحَذْفُ ذِيْ الفَا قَلَّ فِيْ نَثْرٍ إِذَا ... لَمْ يَكُ قَوْلٌ. . . . . . . .
حذف الفاء قليل، أين الجواب هنا؟ محذوف، (إِذَا) هذه شرطيَّة، (لَمْ يَكُ قَوْلٌ) فحذف الفاء قليل: إذا لم يكٌ قولٌ فحذف الفاء قليل لكنَّه مسموع، يعني: لا يُقاس عليه، وما ذكره من الحديث الوارد: (مَا بَالُ .. فمَا بَالُ) نقول: هذا مُقدَّر فيه القول مع الفاء.
. . . . . . . . . . . . . . إِذَا ... لَمْ يَكُ قَوْلٌ مَعَهَا قَدْ نُبِذَا
يعني: قد طُرِح.
ثُم قال رحمه الله: (لَولاَ وَلَوْمَا) هو عقد الباب لثلاثة أشياء: (أَمَّا، وَلَوْلاَ، وَلَوْمَا).
لَولاَ وَلَوْمَا يَلْزَمَانِ الاِبْتِدَا ... إِذَا امْتِنَاعَاً بِوُجُودٍ عَقَدَا
(لَولاَ وَلَوْمَا) على نوعين .. قسمين:
- أحدهما: أن يكونا مُختصَّين بالاسم، وهذه الامتناعيَّة.