وأمَّا في الدار فإنَّ زيداً جالسٌ، لو قال قائل هنا: (في الدار) ليس مُتعلِّقاً بـ: (أمَّا) ولا بالفعل الذي نابت عنه (أمَّا) وإنَّما هو مُتعلِّق بقوله: (جالسٌ) أمَّا في الدار فإنَّ زيداً جالسٌ، هل يصح .. هل يَصِح أن يكون (في الدار) مُتعلِّقاً بِما بعد (إنَّ)؟ لا يصح، لأنَّ خبر (إنَّ) لا يَتقدَّم على (إنَّ)، وكذلك معموله، إذا كان يُمنع تقديم خبر (إنَّ) على (إنَّ) فمن بابٍ أولى أن يُمنع معموله، لأنَّ الخبر أقوى، فحِينئذٍ لا يصح أن يُقال: أمَّا في الدار .. (في الدار) مُتعلِّق بقوله: (جالسٌ) الذي هو خبر لـ: (إنَّ).

أمَّا في الدار فإن زيداً جالسٌ، نقول: إنَّ زيداً جالسٌ، (إنَّ) واسمها وخبرها لا يَتقدَّم شيءٌ البتَّة، لا الاسم، ولا معمول الاسم، ولا الخبر، ولا معمول الخبر على (إنَّ) البتَّة .. مُطلقاً، لأنَّ (إنَّ) كما سبق عامل ضعيف ولا يُتصرَّف في معمولاتها، حِينئذٍ لا يصح أن يُقال: (في الدار) مُتعلِّقٌ بشيءٍ مِمَّا بعد (إنَّ) فتعيَّن أن يُقال: بأنَّه إمَّا مُتعلِّق بـ: (أمَّا) وإمَّا أنْ يكون مُتعلِّقاً بالفعل الذي نابت عنه (أمَّا).

إذاً: يفصل بين (أمَّا) والفاء بواحدٍ من أمورٍ ستة التي ذكرناها: إمَّا المبتدأ، وإمَّا الخبر، وإمَّا جملة الشَّرط، وإمَّا المفعول، وإمَّا ظرفٌ معمولٌ لـ: (أمَّا) لِمَا فيها من معنى الشَّرط، أو الفعل الذي نابت عنه.

أمَّا كَمَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ وَفَا ... لِتِلْوِ تِلْوِهَا وُجُوباً أُلِفَا

(وَفَاءٌ) هذا مبتدأ، (أُلِفَا) هذا خبر، والألف هذه للإطلاق، وفيه فاعل ضمير مستتر يعود على الفاء، لا بُدَّ أن يكون رابط يربط بين الجملة وبين المبتدأ، أين هو؟ الضمير المستتر، مثل: زيدٌ قام، (أُلِفَا) هنا نائب فاعل، ضمير مستتر يود على الفاء، لو لم نجعله عائداً على الفاء لَمَا صَحَّ الإخبار بالجملة عن المبتدأ .. بطل، لأنه لا بُدَّ من رابط يربط بين الجملة الفعليَّة والمبتدأ، حِينئذٍ يتعيَّن مباشرة نقول: (أُلِفَا) فيه ضمير يعود على الفاء.

(لِتِلْوِ تِلْوِهَا) مُتعلِّق بقوله: (أُلِفَا)، (وُجُوباً) هذا حالٌ من نائب الفاعل (أُلِفَا).

قال الشَّارح: " (أمَّا) حرف تفصيل، وهي قائمةٌ مقام أداة الشَّرط وفعل الشَّرط " ولهذا فَسَّرها سيبويه بـ: (مَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ) والمذكور بعدها جواب الشَّرط، ولذلك لزمته الفاء، نحو: أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ، إذاً: دليل أنَّ (أمَّا) فيها معنى الشَّرط لزوم الفاء في جوابها، والأصل: مهما يك من شيءٍ فزيدٌ منطلقٌ، فأنيبت (أمَّا) مناب (مَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ) فصار: أمَّا فزيدٌ منطلقٌ على الأصل، ثُم أخِّرت الفاء إلى الخبر فصار: أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ، ولهذا قال: (وَفَا لِتِلْوِ تِلْوِهَا) لتالي تلوها .. تابعها، (وُجُوباً أُلِفَا).

وَحَذْفُ ذِيْ الفَا قَلَّ فِيْ نَثْرٍ إِذَا ... لَمْ يَكُ قَوْلٌ مَعَهَا قَدْ نُبِذَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015