أمَّا زيدٌ فَمنطلقٌ، واضح معنى الشَّرط ومعنى التَّوكيد، أمَّا التَّفصيل فليس فيه تفصيل، حِينئذٍ قد تخلوا (أمَّا) عن معنى التَّفصيل. أمَّا الشَّرط .. دليل الشَّرطيَّة أنَّها تَدلُّ على الشَّرط فبدليل لزوم الفاء بعدها، والمراد بالفاء هنا الواقعة في جواب الشَّرط التي هي السَّببيَّة: (وَاقْرُنْ بِفَا حَتْماً) فيما سبق.
حِينئذٍ نقول: هذه الفاء دليلٌ على أنَّ (أَمَّا) ضمِّنت معنى الشَّرط: ((فَأمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ)) [البقرة:26] (فَيَعْلَمُونَ .. فَيَقُولُونَ) إذاً: وقعت الفاء في جواب الشَّرط، فدلَّ على أنَّ (أمَّا) هذه ضُمِّنت معنى الشَّرط.
إذاً: الشَّرط بدليل لزوم الفاء بعدها، يعني: لا تنفك إلا في النَّثر، ولذلك قال:
وَحَذْفُ ذِيْ الفَا قَلَّ فِيْ نَثْرٍ ..
يعني: لا يُحذف إلا في الشِّعْر، يعني مفهومه: أنَّه في الشِّعْر كثير وفي النَّثر قليل، لكنَّه على تأويلٍ كما سيأتي، وأمَّا التفصيل فهو غالب أحوالها وليس بلازمٍ لها.
ومنه: ((أمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ)) [الكهف:79] .. ((وَأمَّا الْغُلامُ)) [الكهف:80] .. ((وَأمَّا الْجِدَارُ)) [الكهف:82] إلى آخر الآيات، هذه كلها (أمَّا) تفيد ماذا؟ تفيد التفصيل، ولذلك حتى في الآية السابقة: ((فَأمَّا الَّذِينَ آمَنُوا)) [البقرة:26] ثُم قال: ((وَأمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا)) [البقرة:26] تفصيل.
إذاً: تأتي للتَّفصيل لكنَّه على جهة عدم اللزوم، يعني: ليس بلازمٍ لها بِخلاف الشَّرط.
وقد يترك تكرارها استغناءً بذكر أحد القسمين عن الآخر، يعني: تأتي للتَّفصيل لكن لا يذُكر (أمَّا) مرةً ثانية، الأصل فيها أنَّها تُعاد .. تُكرَّر، وقد يُكتفى بأحد القسمين عنها. وقد يُترك تكرارها استغناءً بذكر أحد القسمين عن الآخر، أو بكلامٍ آخر يُذكر بعدها في موضع ذلك القسم، يعني: تأتي للتَّقسيم ولكن لا يُصرَّح بها .. لا تُكرَّر، وإنَّما يذكر شيءٌ يدلُّ على ذلك القسم الآخر.
فالأول نحو قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً * فَأمَّا الَّذِينَ)) [النساء: 174 - 175] بدأ هذا قسم أول ((فَأمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ)) [النساء:175] وأمَّا الذين كفروا فلهم كذا وكذا! يعني: ذكر أحد القسمين، ومعلومٌ أنَّ القسمة ثنائية إمَّا إيمان وإمَّا كفر، فإذا ذكر أحد القسمين وهم المؤمنون ورتَّب عليهم الفضل، حِينئذٍ القسم الثاني يكون معلوماً من ذكر القسم الأول.
إذاً: يستغنى عن ذكر وتكرار القسم الثاني بذكر الأول، وهذا فيما إذا كان القسمان معلومين كالإيمان والكفر، وأمَّا إذا لم يكن فحِينئذٍ يُنظَر فيه.