قال هنا: فتقول: إنْ قام زيدٌ يقم عمروٌ، بالجزم على الأصل ولا إشكال فيها: ويقوم عمروٌ .. إنْ قام زيدٌ يقوم عمروٌ بالرَّفع، حِينئذٍ نقول: (يقوم) هذا فعل مضارع مرفوع، و (عمروٌ) هذا فاعله، والجملة متأخرة عن تقديم، وهي دليل الجواب، وجواب الشَّرط محذوف، ومنه قوله:

وَإِنْ أَتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْأَلَةٍ ... يَقُولُ لاَ غَائِبٌ مَالِي وَلاَ حَرِمُ

أين الشَّرط وأين جوابه؟ (وَإِنْ أَتَاهُ) .. (أَتَى) فعل ماضي، (يَقُولُ) لم يقل: (يقُلْ)، (يقُلْ) هذا الأصل بالجزم، (يَقُولُ) رفعه، حِينئذٍ نقول: جواب الشَّرط محذوف دلَّ عليه هذا المتأخِّر.

وإن كان الشَّرط مضارعاً وجب الجزم فيهما ورفع الجزاء ضعيف، يعني: لا يلزم أصلاً أن يكون ضعيف أن يجب الجزم، وإنَّما قال: (وَهَنْ) يعني: ضعيف فهو مستساغٌ، كقوله:

يَا أَقْرَعُ بنَ حَابِسٍ يَا أَقْرَعُ ... إِنَّكَ إِنْ يُصْرَعْ أَخُوكَ تُصْرَعُ

(إِنْ يُصْرَعْ)، (إِنْ) حرف شرط، و (يُصْرَعْ) هذا فعل الشَّرط وهو فعل مضارع، (تُصْرَعُ) هذا جواب الشَّرط .. رَفعَهُ.

إذاً نقول: هذا ضعيف .. هذا وهَنْ، لماذا؟ لأنَّ الأصل أن يَجزمه لأنَّه مضارع، فإذا كان كذلك فالأصل فيه الجزم، فرفعه ضعيف ليس كرفعه بعد الماضي، قالوا في الفرق بينهما: إنَّما حسُن رفع الفعل بعد الماضي لعدم تأثير أداة الشَّرط في فعل الشَّرط .. لم تُؤثِّر ظاهراً، حِينئذٍ لم يجزم الأول لفظاً، فلمَّا رُفِع الثاني لا إشكال، لأنَّ الأداة لم تُؤثِّر لفظاً، وضعف بعد المضارع لتأثير العامل في فعل الشَّرط لأنَّها تقتضي فعلين، فإذا ظهر أثرها في الأول حِينئذٍ ضعف ألا يظهر أثرها في الثاني وهو الفعل المضارع فلذلك صار ضعيفاً.

واختلف في تَخريج الرَّفع بعد المضارع، فالأول عرفنا أنَّه بعد الماضي أنَّه عن تقديم .. تأخير عن تقديم، وأنَّه دليل الجواب وليس هو نفس الجواب، طيب! إذا رُفِع بعد المضارع ما وجهه .. كيف نعربه؟

واختلف في تَخريج الرَّفع بعد المضارع، فذهب المُبَرِّد إلى أنَّه على حذف الفاء مطلقاً، أي: سواءٌ كان قبله ما يطلبه أو لا، أو كانت الأداة اسم شرطٍ أو لا مطلقاً على حذف الفاء، كأنَّه قال: إن يُصرَعْ أخوك فتُصرَعُ، وإذا كان كذلك حِينئذٍ ما بعد الفاء يكون جملة ليس صالحاً لجواب الشَّرط كما سيأتي.

كل ما لا يصلح أن يكون جواباً للشَّرط حِينئذٍ وجب اقتران الفاء به، وإذا كان كذلك صارت الجملة في مَحلِّ جزم، فهي منفصلة عن أن تُؤثِّر أداة الجزم في الظاهر .. في اللفظ، فإذا فصلناه وقدَّرنا له الفاء السَّببيَّة حِينئذٍ نقول: الجملة في مَحلِّ جزمٍ، ولذلك إذا أعرب في الظَّاهر لا إشكال إذا قدَّرنا الفاء.

وفَصَّل سيبويه بين أن يكون قبله ما يُمكن أن يطلبه فالأولى أن يكون على التقديم والتأخير كالسابق، وبين ألا يكون فالأولى أن يكون على حذف الفاء، وجَوَّز العكس، وقيل: إن كانت الأداة اسم شرطٍ فعلى إضمار الفاء وإلا فعلى التقديم والتأخير.

إذاً: إمَّا أن يُقال بالإضمار وإمَّا أن يقال بالتقديم والتأخير، وإضمار الفاء كذلك لا إشكال فيه في هذا المحل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015