على كلٍ: المسألة فيها نزاع، هل (إِذْ مَا) حرفٌ أم اسمٌ؟ نقول: (إِذْ مَا) مِمَّا وقع فيه النِّزَاع، والصَّحيح أنَّه حرفٌ، ولذلك قال النَّاظِم: (وَحَرْفٌ إِذْ مَا كَإِنْ) (حَرْفٌ) هذا خبر مُقدَّم، و (إِذْ مَا) قُصِد لفظه فهو مبتدأ مُؤخَّر، و (كَإِنْ) هذا نعتٌ لِحرف (حَرْفٌ كَإِنْ) مثل (إنْ) .. كائنٌ (كَإِنْ)، لماذا ذَكَر (إنْ) دون غيرها؟ لأنَّها هي الحرف باتفاق، فَشبَّه المختلف فيه بالمتفق عليه من حيث ثبوت الحرفيَّة، وأشار إلى أنَّ المعنى كذلك مثلها .. مثل (إِنْ)، معنى: (إِذْ مَا) مثل معنى (إِنْ)، هذا النَّوع الثاني ما هو مُختلفٌ فيه، هل هو اسمٌ أم حرف؟ والصَّحيح أنَّه حرفٌ، إذاً: النَّوع الأول حرفٌ باتفاق وهو (إِنْ).
النَّوع الثاني حرفٌ على الصَّحيح، فجُعِل في مرتبة ثانية لوجود الخلاف.
الثالث: ما هو مُختلف فيه والصَّحيح أنَّه اسمٌ -عكس الثاني- وهو (مَهْمَا) .. (مَهْمَا) على جهة الخصوص اختلف فيها: هل هي اسمٌ أم حرفٌ؟ والصَّحيح أنَّها اسمٌ، بدليل رجوع الضمير إليها: ((مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ)) [الأعراف:132] الهاء من (بِهِ) يعود على (مَهْمَا)، وسبق القاعدة: أنَّ الضمائر لا تعود إلا على الأسماء.
إذاً: ما هو اسمٌ على الصَّحيح وهو (مَهْمَا).
فالجمهور على أنَّها اسمٌ بدليل: ((وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا)) [الأعراف:132] فالضمير في (بِهِ) يعود على (مَهْمَا) والضمير لا يعود إلا على الأسماء، هذا هو الصَّحيح.
وزعم السُّهَيلي: أنَّ (مَهْمَا) حرفٌ، واستدل بقول زُهيْر:
وَمَهْما تَكُنْ عِندَ امْرِئٍ مِنْ خَلِيقَةٍ ... وَإِنْ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى النَّاسِ تُعْلَمِ
وهو مُؤوَّل .. الصواب: أنًّه مُؤوَّل، وذكره ابن هشام في (شرح القَطْر).
الرابع: ما هو اسمٌ باتفاق، وهو باقي الأدوات، إذاً: باقي الأدوات وهو ما عدى (مَهْمَا) و (إِنْ) و (إِذْ مَا) فهو باتفاق يعتبر من الأسماء، ولذلك قال: (وَبَاقِي الأَدَوَاتِ أَسْمَا) ولم يَنصَّ على (مَهْمَا) بل أدخلها في الحكم عليها بكونها أَسْمَا، ولم ينص عليها لقوة الخلاف في (إِذْ مَا) .. خلاف قوي، ليس كـ: (مَهْمَا)، ولذلك الجمهور في (مَهْمَا) أنَّها اسمٌ، ولذلك لم يراعي الخلاف.
. . . . . . وَحَرْفٌ إِذْ مَا ... كَإِنْ وَبَاقِي الأَدَوَاتِ أَسْمَا
أسماء بالهمز، قَصَره للضرورة، (وَبَاقِي الأَدَوَاتِ) وهو تسعٌ، لأنَّه نَصَّ على (إِنْ)، و (إِذْ مَا) أخرج اثنين .. حرفين وبقي تسعة، (وَبَاقِي الأَدَوَاتِ) وهي تِسع كلمات (أَسْمَا) فمنها أسماء، ومنها ظروف زمان، ومنها ظروف مكان، لأن الاسم قد يكون مبهماً .. قد يكون دالَّاً على حَدَث .. قد يكون دالَّاً على زمن .. قد يكون دالَّاً على مكان.
إذاً قوله: (وَبَاقِي الأَدَوَاتِ أَسْمَا) هذا مُجمَل، هل كلها ظروف زمان .. هل كلها ظروف مكان .. هل كلها ليست بظرف زمان ولا مكان؟ نقول: لا، فيه تفصيل.