وَالأَمْرُ إِنْ كَانَ بِغَيْرِ افْعَلْ فَلاَ ... تَنْصِبْ جَوَابَهُ. . . . . . . . .
يعني: مع الفاء، (وَجَزْمَهُ اقْبَلاَ) (جَزْمَهُ) هذا مفعولٌ به مُقدَّم على قوله: (اقْبَلاَ) الألف هذه للتَّوكيد، وقدَّم المعمول هنا على الفعل المؤكَّد ضرورةً.
قد سبق أنَّه إذا كان الأمر مدلولاًً عليه باسم فعلٍ، أو بلفظ الخبر لم يجز نصبه بعد الفاء، وقد صرَّح بذلك هنا، إذاً: صرَّح بمفهوم ما سبق، فقال: متى كان الأمر بغير صيغة (افْعَل) ونحوها فلا ينتصب جوابه، ولكن لو أَسْقَطت الفاء جَزَمْتَه بلا خلاف، ولو كان يمتنع نصبه بعد الفاء، كقولك: صه أُحْسِن إليك، هنا جزمت مع كونه لو ذُكِرت الفاء لم يَجُز فيه النصب: وحسبك الحديث ينمِ الناس، يعني: اكفف الحديث، وإليه أشار بقوله: (وَجَزْمَهُ اقْبَلاَ).
وأجاز الكِسَائي النصب بعد الفاء والمجاب بها اسم فعل أمرٍ نحو: صه فَأُكْرِمَك، جائز على مذهب الكِسَائي ولو كان في جواب الأمر، أو خبر بمعنى الأمر نَحو: حسبك الحديثُ يَنَامَ الناس، وابن عصفور في جواب (نَزَالِ) من اسم الفعل المشتق (نَزَالِ وَدَرَاكِ) قال: لأنَّه قريبٌ من الفعل، لأنَّه فيه مادة الفعل (نَزَالِ) هذا فيه معنى الفعل وحروفه و (صه) فيه معنى الفعل دون حروفه، فرَّق بينهما ابن عصفور فَجوَّز أن يكون في جواب اسم الفعل إذا كان فيه معنى الفعل وحروفه، دون اسم الفعل إذا كان فيه معنى الفعل دون حروفه.
ولم يستند هؤلاء إلى سماعٍ عن العرب، وإنَّما قالوه قياساً على فعل الأمر فحسب، إذًا: الأصل فيه المنع.
وَالْفِعْلُ بَعْدَ الْفَاءِ فِي الرَّجَا نُصِبْ ... كَنَصْبِ مَا إِلَى التَّمَنِّي يَنْتَسِبْ
هذا هو داخلٌ في قوله: (طَلَبْ)، قلنا: الرَّجاء لم يذكره، حتى ابن عقيل لم يُمَثِّل له، لماذا؟ لأنَّ أكثر البصريين على المنع، والبصريون في الخلاف يراعون ولذلك أفردهم ببيت يرد عليهم - صحيح: البصريون ليسوا كغيرهم - فهنا أفرد الرجاء ببيتٍ لكون البصريين جمهورهم على المنع، لا يُنصب الفعل بعد الطَّلب إذا كان رجاءً.
مذهب البصريين أنَّ الرجاء ليس له جوابٌ منصوب وتأوَّلوا ذلك بما فيه بُعدٌ، وأجازه الفرَّاء ومنعه الجمهور، واختار المصنف هنا مذهب الفرَّاء، ولذلك جاء: ((لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ)) [غافر:36 - 37] (فَأَطَّلِعَ) ظاهره أنَّه وقع في جواب (لَعَلِّي) وهو رجاء، وهذه الفاء فاء السَّببيَّة، و (أَطَّلِعَ) فعل مضارع منصوبٌ بـ (أن) مضمرة بعد فاء السَّببيَّة الواقعة في جواب الطلب وهو (لَعَلِّي)، ما دام أنَّه ورد .. أجازه الفرَّاء فهو الظَّاهر، ولذلك أجازه ابن مالك هنا.
(وَالفِعْلُ بَعْدَ الفَاءِ) دون الواو لأنَّه لم يُسمع .. لم يُسمع في الواو وإنَّما سُمع في الفاء، (وَالفِعْلُ) هذا مبتدأ، (بَعْدَ الفَاءِ فِي الرَّجَا نُصِبْ) (نُصِبْ) هذا خبر المبتدأ، و (بَعْدَ الفَاءِ) هذا مُتعلِّق بقوله: (نُصِبْ)، (فِي الرَّجَاءِ) قصره للضرورة، وأفرده بالذكر مع دخوله في الطلب اهتماماً بشأنه لكون البصريين خالفوا فيه، لأنَّهم منعوه.