(وَشَرْطُ جَزْمٍ) (شَرْطٌ) مبتدأ، و (جَزْمٍ) مضاف إليه، و (شَرْطُ) مضاف، و (جَزْمٍ) مضاف إليه، (بَعْدَ نَهْيٍ) على جهة الخصوص لا بعد غيره، (بَعْدَ) هذا مُتعلِّق بقوله (جَزْمٍ) لأنَّه مصدر، (بَعْدَ نَهْيٍ) فيما مرَّ أن يَصحَّ (أَنْ تَضَعْ إِنْ قَبْلَ لاَ) جملة أَنْ تَضَعْ (أَنْ) وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر المبتدأ: وَشَرْطُ جَزْمٍ بَعْدَ نَهْيٍ وضعك، (وضعك) هذا خبر.
(إِنْ) الشَّرطيَّة (قَبْلَ لاَ) النافية، (دُونَ تَخَالُفٍ) في المعنى، فإن صحَّ المعنى مع هذا التركيب صَحَّ الجزم وإلا فلا، (دُونَ تَخَالُفٍ) (دُونَ) هذا حال من (إِنْ)، والمراد بالتخالف هنا: بطلان المعنى (يَقَعْ) يعني: التَّخالف.
قال في (شرح الكافيَّة): "لم يُخالف في هذا الشَّرط المذكور غير الكِسَائي " يعني: يكاد أن يكون مُجمع عليه هذا الشَّرط، ونَسبَه المُرَادِي في شرحه إلى الكوفيين، لكن في (شرح الكافيَّة) لم ينسبه إلا للكسائي.
قال الشَّارح هنا -مع الأمثلة ستأتي-: " لا يجوز الجزم عند سقوط الفاء بعد النَّهي إلا بشرط: أنْ يَصح المعنى بتقدير دخول (إِنْ) الشرطية على (لا) فتقول: لا تَدْنُ مِنَ الأسد تَسْلَمْ" لا تَدْنُ من الأسد فَتَسْلَمَ هذا الأصل، أسقطت الفاء وحِينئذٍ قَصَدْتَ الجزاء، بقي شرطٌ ثالث لا بُدَّ من تحقيقه.
أن تقول: لا بُدَّ أن يصح تقدير: إن لا .. إن لا تدنُ من الأسد تسلم، إذًا: سلامتك مبنية على عدم دُنُوِّك من الأسد، لا تَدْنُ من الأسد يَأْكُلْكَ .. إن لا تَدْنُ من الأسد يَأْكُلْكَ، إذاً لا يصح، إذًا: (يَأْكُلْكَ) هذا واقع في جواب (لا تَدْنُ)، هل يصح القصد .. قصد الجزاء مع إسقاط الفاء والجزم؟ نقول: لا يصح لعدم تحقُّق الشرط: إن لا تَدْنُ من الأسد يَأْكُلْكَ، لا يصح هذا، إذاً: لا يصح الجزم في جواب النهي في هذا التركيب لِعَدم صحة المعنى مع قولنا: (إن لا).
فتقول: لا تَدْنُ من الأسد تَسْلَمْ، بجزم (تَسْلَمْ) إذ يصح: إن لا تَدْنُ من الأسد تَسْلمْ، ولا يجوز الجزم في قولك: لا تَدْنُ من الأسد يَأْكُلُكَ، يعني: بالجزم لا يصح: إلا تَدْنُ من الأسد يَأْكُلْكَ، حينئذٍ يكون فاسداً، لا تكفر تدخلْ الجنة .. إن لا تكفر تدخل الجنة .. – إن شاء الله ولو ثانوياً، يعني: لا يشترط دخول الأول حتى لا يعترض المثال -.
لا تكفر تدخل النار، يصح الجزم؟ لا يصح، إن لا تكفر تدخل النار، نقول: لا يصح المعنى.
إذاً: (وَشَرْطُ جَزْمٍ بَعْدَ نَهْيٍ) فيما مر، أنْ يصح أَنْ تَضَعْ (إِنْ) الشَّرطيَّة قبل (لاَ) النافية دُونَ تَخَالُفٍ في المعنى (يَقَعْ) يعني: واقعٍ، هذا نعت لـ (تَخَالُفٍ).
وشرط الجزم بعد الأمر، قيل: صحة وضع: أن تفعل، فإن صَحَّ حينئذٍ صَحَّ وإلا فلا، لكن قليل من نبَّه على هذا، وإلا كثير يستثنون الشرط فقط، فيمتنع الجزم في: أحسن إليَّ لا أُحْسِنُ إليك، فإنه لا يجوز: إنْ تُحْسِن إليَّ لا أُحْسِنْ إليك، لكونه غير مناسب.
وأجاز الكِسَائي ذلك بناءً على أنَّه لا يُشترط عنده دخول (إِنْ) على (لا)، فجزمه على معنى: إن تَدْنُ من الأسد يَأْكُلْكَ.