إمَّا أن يكون مشتقاً أو لا، كلاهما لا يُنْصَبُ الفعل المضارع في جواب الطَّلب إذا كان باسم فعل أمر.
ثانياً: أن يكون في جواب مصدر ناب عن فعل أمر، كذلك لا يُنصب الفعل المضارع في جواب هذا المصدر.
ثالثاً: أن تكون الجملة خبرية لفظاً والمراد بها: الأمر من جهة المعنى فكذلك لا يُنْصَبْ، لأنَّ هذه أوامر لكنَّها ليست مَحضة.
إذاً: الطَّلب يُشترط فيه أن يكون محضاً، بمعنى: أنَّه إذا كان بفعل الأمر لا بُدَّ أن يكون بصيغة (افعل) وما عداه فلا.
ومن الطَّلب الذي ليس بمحضٍ وهو الطَّلب باسم الفعل هذا أولاً، أو بمصدرٍ هذا ثانياً، أو بما لفظه الخبر، إذا وقع الفعل المضارع ولو تالياً للفاء في جواب واحدٍ من هذه الثلاثة لا ينتصب خلافاً للكِسَائي وغيره.
فنحو: صَهْ فَأُكْرِمَكَ أَوْ فَأُكْرِمُكَ؟ (فَأُكْرِمُكَ) بالرَّفع .. يتَعيَّن الرَّفع، لماذا؟ مع كون الفاء هنا للسَّببيَّة: اسْكت فيحصل لك الإكرام، إذاً: مُسبَّب .. الإكرام مُسبَّبٌ عن السكوت، ومع ذلك لا نحكم بكونه منصوباً؛ لكونه وقع في جواب طلبٍ غير محضٍ، والمراد بأنَّه غير محض يعني: ليس بصيغة (افعل) التي هي موضوعة للطَّلب.
إذاً: صَهْ فَأُكْرِمُكَ، وَحَسْبُك الحديثُ فينامُ الناس، (فينامُ) الفاء واقعة في الجواب، لكن الجواب هنا ليس لفظاً، وإنَّما هو من جهة المعنى: سكوتاً فينامُ الناس، يعني: معنى ما سبق، ونَحو: رزقني الله مالاً فأنفقُه في الخير .. اللهم ارزقني مالاً فَأُنْفِقُه في الخير أو فَأُنْفِقَه؟ (فَأُنْفِقُه) بالرَّفع، لأنَّ: رزقني الله مالاً، مثل: غفر الله لك، يعني: في المعنى هو إنشاء .. طلب، وأمَّا في اللفظ فهو خبر.
وَبَعْدَ فَا جَوَابِ نَفْيٍ أَوْ طَلَبْ ... مَحْضَيْنِ أَنْ وَسَتْرُهَا حَتْمٌ نَصَبْ
إذاً: (أَنْ) هذه مبتدأ، و (نَصَبَ) الجملة خبر، وجملة (سَتْرُهَا حَتمٌ) إمَّا حاليَّة على جعل الواو واو الحال، وإمَّا جملة معترضة بين المبتدأ والخبر، وقوله: (مَحْضَينِ) نعت لـ: (نَفِيٍ أَوْ طَلَبْ)، وهذا على مذهب البصريين كما ذكرنا: أنَّ (أَنْ) مضمرة بعد فاء السببية.
وأمَّا على مذهب بعض الكوفيين إلى أنَّ ما بعد الفاء منصوبٌ بالمخالفة، هذا بعض الكوفيين وإن كان المشهور أنَّه بالفاء نفسها، لكن ذهب بعض الكوفيين إلى القول بأنَّ العامل هنا في الفعل المضارع أنَّه منصوب بالمخالفة، المخالفة يعني: ما بعده مخالفٌ لِمَا قبله، لأنَّ ما قبله مُنَزَّلٌ مُنَزَّلة فعل الشرط، ولا شكَّ أن جواب الشرط مخالفٌ لفعل الشرط: إن جئتني أكرمتك، إذاً بينهما مخالفة.
وبعضهم: إلى أنَّ الفاء هي الناصبة، هذا المشهور عن الكوفيين، وإن كان بعضهم ذهب إلى المخالفة، والصحيح مذهب البصريين، لأنَّ الفاء عاطفة فلا عمل لها، لكنَّها عطفت مصدراً مُقدَّراً على مصدرٍ متوهم، لأنَّه إذا كان ما بعدها فعلٌ مضارع منصوب بـ (أَنْ) وما دخلت عليه في تأويل المصدر، لا بُدَّ أن تكون عاطفة على مصدرٍ مثله فيكون متوهَّمٌ مُتصيِّدًا مِمَّا قبله.