الموضع الثالث مِمَّا يُنْصَبُ الفعل المضارع بـ (أَنْ) مضمرةً واجبة الإضمار بعد (حَتَّى)، و (حَتَّى) في لسان العرب جاءت على أربعة أنحاء:
(حَتَّى) تكون عاطفة وهذا سبق: قَدِم الحجاج حَتَّى المشاة، عَطَفَت المفرد على سابقه فـ: (حَتَّى) هنا عاطفة وليست هي بعاملة في ما بعدها، فـ: (المشاة) معطوفٌ على سابقه ما قبل (حَتَّى) والمعطوف على المرفوع مرفوع، إذاً: جاء بعدها اسم مفرد: حَتَّى المشاةُ، فهي عاطفة.
وتكون جَارَّة كما في: ((حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)) [القدر:5] يعني: ما بعدها يكون مجروراً بها بنفسها، وهنا إذا قلنا جارَّة معناها: أحدثت الخفض، وإذا كانت أحدثت الخفض معلومٌ أنَّ الخفض لا يكون إلا بِمختصٍّ، إذاً: إذا أحدثت الخفض تعيَّن أن لا تُحدث الرفع ولا النصب، انتبه! إذا أحدثت الخفض حينئذٍ يتعيَّن أن يكون العامل الذي أحدث الخفض مختصَّاً بالاسم، حينئذٍ إذا أحدث الخفض يتعيَّن أن لا تُحدِث الرَّفع ولا النصب، هذا يطَّرد مع قوله بأنَّها حرف جر، وهذه مضت معنا في باب حروف الجر، كما أنَّ العاطفة مرت في عطف النسق.
الثالثة: أن تكون (حَتَّى) ابتدائية، يعني: حرفٌ تُبْتَدأ بعده الجمل فلا يكون داخلاً على المفرد كما هو: قدم الحجاج حَتَّى المشاة، ولا يكون ما بعدها مجروراً، فالأول مرفوع .. عاطفة مفرد على مفرد، والثاني جَرَّت ما بعده وهو مفرد، هنا تكون ابتدائية يعني: ما بعدها جملة، إمَّا جملة اسمية أو جملة مضارعيَّة، حينئذٍ نقول: حَتَّى ابتدائية، بمعنى: أنَّها يُسْتَأنف ما بعدها فيكون مقطوعاً عمَّا قبلها، هذا المراد بأنَّها حرفٌ تُبْتدأ بعده الجمل، أي: تُسْتَأنف فتدخل على الجملة الاسمية كقول الشاعر:
فَمَا زَالَتِ القَتْلى تَمُجُّ دِمَاءَها ... بَدجْلَةَ حَتَّى مَاءُ دِجْلَةَ أَشْكَلُ
الشاهد: (حَتَّى مَاءُ دِجْلَةَ أَشْكَلُ) (مَاءُ) مبتدأ، و (أَشْكَلُ) خبر، و (حَتَّى) دخلت عليه، إذاً نقول: (حَتَّى) ابتدائية فجاء بعدها المبتدأ، ومعلومٌ أن المبتدأ إنَّما يُرْفَع بالابتداء، وهو: جَعْلُكَ الاسم أولاً لتخبر عنه ثانياً، إذاً: جعلته أولاً، وقد سُبِق بقوله: (فَمَا زَالَتِ القَتْلى .. ) إلى آخره، نقول: هنا (حَتَّى) ابتدائية تدلُّ على أنَّ ما بعدها مُستأنف كأنَّه كلامٌ جديد، فلا ارتباط له من حيث الإعراب بما قبله، وأمَّا من حيث المعنى لا بُدَّ أن يكون بينهما ارتباط من حيث المعنى، وأمَّا من حيث الإعراب فهي جملةٌ مستأنفة.
فـ (مَاءُ) هذا مبتدأ وهو مضاف، و (دِجْلَةَ) مضافٌ إليه، و (أَشْكَلُ) هذا خبر المبتدأ، إذاً: دخلت على الجملة الاسمية، وعلى الفعلية التي فعلها مضارع.
يُغْشَوْنَ حَتَّى مَا تُهِرُّ كِلاَبهُمْ ..
(تُهِرُّ) فعل مضارع ودخلت عليه (مَا) وهي نافية، حينئذٍ نقول: دخلت هنا على الفعل المضارع، وكذلك تدخل على الفعل الماضي: ((حَتَّى عَفَوا وَقَالُوا)) [الأعراف:95] (عَفَوا) فعل ماضي ودخلت عليه (حَتَّى) فهي ابتدائية.
إذاً: (حَتَّى) الابتدائية تدخل على الجملة الاسمية، وتدخل على الجملة الفعلية التي فعلها مضارع، وتدخل على الجملة الفعلية التي فعلها ماضٍ.