ذكر لك موضعاً مِمَّا يجب فيه إضمار (أنْ) بعد (كَانَ) المنفيَّة مُطلقاً، سواءً كانت بلفظ الماضي أو المضارع، وأطلق النَّاظِم هنا النَّافِي فنُخصِّصُه بـ (ما) و (لم) ويَحتمل أن يكون (أنْ) داخلاً أيضاً فيها.
الموضع الثاني: (بَعْدَ أَوْ) و (أَوْ) حرف عطف في الأصل، ولذلك كان المرجَّح أو الصحيح عند البصريين أن النَّصْب ليس بها بعينها، وإنما هو بـ (أنْ) مضمرةً بعدها، وأمَّا قول الكوفيين: بأنَّها ناصبةٌ بنفسها فقولٌ ضعيف، لأن (أَوْ) حرف عطف، وحرف العطف مشترك بين الجملة الفِعليَّة والاسْميَّة وبين المفرد .. الاسم والفعل إلى آخره، ولا يكون ناصباً بنفسه البَتَّة، لأن العَاطِف لا ينصب.
كَذَاكَ بَعْدَ أَوْ إِذَا يَصْلُحُ فِي ... مَوْضِعِهَا حَتَّى أَوِ الاَّ. . . . .
يعني: ليس مُطلقاً: (أَنْ خَفِي كَذَاكَ) (أنْ) مبتدأ، انظر آخر البيت! (أَنْ خَفِي) (أنْ) هذا مبتدأ، (خَفِي) هذه الجملة خبر، (كَذَاكَ) الإشارة إلى (أنْ) بعد نفي (كَانَ).
إذاً: هذا الموضع مِمَّا يجب فيه إضمار (أنْ) بعد المذكور، وهو الحرف .. حرف العطف وهو (أوْ) لأنه شبَّه هذه الحال بالسَّابق، وهو قوله: (وَبَعْدَ نَفْيِ كَانَ حَتْمَاً) وجب إضمار (أنْ)، إذاً: (كَذَاكَ) مثله في وجوب إضمار (أنْ) (أوْ .. بَعْدَ أَوْ)، (كَذَاكَ) جار ومجرور، و (بَعْدَ) منصوب على الظَّرفيَّة متعلقان بـ: (خَفِي) .. (أَنْ خَفِي) مثل ذاك (بَعْدَ أَوْ).
ثُم قيَّد (أوْ) ليس مُطلقاً، قال:
. . . . . . إِذَا يَصْلُحُ فِي ... مَوْضِعِهَا حَتَّى أَوِ الاَّ. . . . . .
يعني: إذا كانت بِمعنى: (حَتَّى) وهو فيما يتطاول، أو كانت بِمعنى: (إِلاَّ) وهو فيما لا يتطاول.
مفهومه: إذا لم تكن في هذين الموضعين أو ما يصلح أن يُفسَّر (أوْ) بهذين المَحلين فلا تقع (أنْ) مضمرةً بعد (أوْ) لأنَّه قيَّدها، قال: (إِذَا يَصْلُحُ) إذاً: إذا لم يصلح لا تكون ناصبةً، لا هي بنفسها على مذهب الكوفيين، ولا بـ (أنْ) مضمرةً وجوباً بعدها.
(إِذَا يَصْلُحُ فِي مَوْضِعِهَا) يعني: من حيث المعنى، ليس المراد أنَّها تزال فيؤتى بـ (حَتَّى أَوِ إِلاَّ) لا، إنما المراد أن يصلح في موضعها من جهة المعنى.
(إِذَا يَصْلُحُ فِي مَوْضِعِهَا حَتَّى) (حَتَّى) هذا فاعل (يَصْلُحُ) و (فِي مَوْضِعِهَا) مُتعلِّق بقوله: (يَصْلُحُ).
(أَوِ الاَّ) (أَوْ) حرف عطف و (إِلاَّ) معطوفٌ عليها.
قال هنا: " ويجب إضمار (أنْ) بعد (أوْ) المقدَّرَة بـ: (حَتَّى أَوِ الاَّ) " مُقدَّرة من جهة المعنى، فتُقدَّر بـ: (حَتَّى) إذا كان الفعل الذي قبلها مِمَّا ينقضي شيئاً فشيئاً .. يتطاول، يعني: حدثه لا يقع دفعةً واحدة، وإنما يتطاول يقع شيئاً فشيئاً، مثل: لألزمنك أو تقضيَني حقي، يعني: إلى أن تقضيَني حقي، إذاً: الملازمة هنا تقع شيئاً فشيئاً ليست دفعة واحدة .. شيءٌ يتطاول.
وتُقدَّر بـ: (إِلاَّ) إن لم يكن كذلك، فالأول نَحو:
لأَسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ أَوْ أُدْرِكَ المُنَى ... فَمَا انْقَادَتِ الآمَّالُ إِلاَّ لِصَابِرِ