والدَّليل على أنَّه دعاء لا إخبار: عطفُ الدعاء عليه وهو: (ثُمَّ لاَ زِلْتُ)، ورُدَّ: بأنَّ (لَنْ) في صدر هذا البيت تَحتمل أن تكون دَالَّةً على النفي المَحض، حتى لو قيل: بأنَّ (لا) بعدها للدعاء، لأنَّه لا يلزم أن يُعطف إنشاء على إنشاء .. هو أولى، لكن ليس بلازم، قد يُعطف إنشاء وهو الدعاء على الإخبار، والعكس بالعكس، وإن كان الأولى التَّطابُق: أن يُعطف خبر على خبر، وإنشاءٌ على إنشاء، وعطف الإنشاء على الخبر والعكس، وإن كان فيه ضعف إلا أنَّه جائز، مثل عطف الجملة الفِعليَّة على الفِعليَّة، والاسْميَّة على الاسْميَّة، والفِعليَّة على الاسْميَّة والعكس.

نقول: الفِعليَّة على الفِعليَّة أولى، والاسْميَّة على الاسْميَّة أولى، إلا أنَّه يجوز عطف الاسْميَّة على الفِعليَّة والعكس، وإن كان فيه نوع ضعف، وظَهرَ الضَّعْف في باب الاشتغال كما مَرَّ معنا.

إذاً: حتى لو قيل بأنَّ (لا) بعدها للدعاء، فإنَّه لا يلزم أن يَتَّحِد المعطوف والمعطوف عليه خبراً أو إنشاءً.

إذاً: (لَنْ) .. (وَبِلَنِ انْصِبْهُ) انصب الفعل المضارع بـ: (لَنْ)، حِينئذٍ تقول: ((لَنْ نَبْرَحَ)) [طه:91] فـ: (نَبْرَحَ) فعلٌ مضارعٌ ناقص منصوب بـ: (لَنْ)، ونصبُه فتحة ظاهرة على آخره.

(وَكَيْ) هذا الحرف الثاني الذي ينصب بنفسه، و (كَيْ) لها ثلاثة أوجه في لسان العرب:

- قد تكون اسْماً مُختَصراً من (كيف)، كقوله:

كَيْ تَجْنَحُونَ إِلى سِلْمٍ وَمَا ثُئِرَتْ ... قَتْلاَكُمُ وَلَظَى الهَيْجَاءِ تَضْطَرِمُ

(كَيْ تَجْنَحُونَ) يعني: كيف تَجنحون؟ فـ: (كَيْ) هنا مُختصرة من (كيف)، حذَفَ الفاء .. هذا يُسمَّى: تَرخيماً، لَكنَّه ليس بقياسي، (كَيْ تَجْنَحُونَ) كيف تَجنحون؟ فدَلَّ على أنَّها ليست ناصبة، ما الذي دل على أنها ليست ناصبةً؟ (تَجْنَحُونَ) بالنون .. أثبَتَ النون فَدلَّ على أنَّه مرفوع، فتكون بِمعنى: (كيف) .. هي مختصرة من (كيف).

فتكون بمعنى (كيف) ويليها الاسم والماضي والمضارع مرفوعاً: كيف زيدٌ .. كيف يقوم زيدٌ .. كيف قام زيدٌ؟ يليها الماضي والمضارع والاسم، ويكون مرفوعاً في المضارع والاسم.

- الثاني: أن تكون بِمنزلة لام التَّعلِيل معنَىً وعملاً، (معنَىً) يعني: تَدلُّ على أنَّ ما قبلها عِلَّةٌ لِمَا بعدها، هذا المراد بلام التَّعلِيل معنا: أنَّ ما قبلها عِلَّةٌ لِمَا بعدها، و (عملاً) الجر، حِينئذٍ لام التَّعلِيل تَجرُّ ما بعدها، كذلك (كَيْ) ولذلك يُعبَّر عنها: بأنَّها لام (كَيْ)، يُقَال: لام (كَيْ) إذا كانت بِمعنَى اللام.

أن تكون بِمنْزِلة لام التَّعلِيل معنَىً وعملاً، وهي الداخلة على (ما) الاستفهاميَّة - وهذا سبق في أول حروف الجر – في قوله في السُّؤال عن العِلَّة: (كيْمَهْ) بِمعنى: لِمَه، وعلى (ما) المَصدريَّة كما في قوله:

إِذَا أَنْتَ لَمْ تَنْفَعْ فَضُرَّ فَإِنَّمَا ... يُرَجَّى الفَتى كَيْمَا يَضُرَّ وَيَنْفَعَا

وهنا دخلت على (ما) المَصدريَّة، أي: للضُّرِّ والنِّفْع، وقيل: (ما) كافَّة، أي: كَفَّتْ (كَيْ) المَصدريَّة عن نصب المضارع.

(كَيْ) المَصدريَّة يعني: لا يلزم أنَّها تنصب .. لا، قد تُؤوَّل مع ما بعدها بِمصدر - وهذا لا إشكال فيه – ولكن المراد هنا: أنَّها تدخل على (ما) الاستفهاميَّة، وتدخل على (ما) المَصدريَّة، وهذا سبق في أول باب حروف الجر.

وقيل: (ما) كافَّة، أي: كَفَّتْ (كَيْ) المَصدريَّة عن نصب المضارع، وعلى (أَنْ) المَصدريَّة مُضمَرةً .. هذا الثالث، يعني: تدخل على (أَنْ) المَصدريَّة مُضمرةً، نحو: جئت كي تكرمَني، فـ: (كَيْ) هنا بِمنْزِلة لام التَّعلِيل مَعنَىً وعملاً، (كي تكرمني) يعني: كي أن تكرمني، فـ: (تكرمني) هذا فعل مضارع منصوب بـ: (أَنْ)، ونصبُه (أَنْ) مُضمرةَ بعد (كَيْ)، و (كَيْ) حِينئذٍ تكون بِمنزلة اللام، فيكون (أَنْ) ومدخولها مصدر مَجرورٌ بـ: (كَيْ).

وعلى (أَنْ) المصدرية مُضمرةَ، نحو: جئت كي تكرمني، إذا قَدَّرْتَ النصب بـ: (أَنْ)، ولا يجوز إظهار (أَنْ) بعدها، وأمَّا قوله: كَيما أَنْ تَغُرَّ وتَخدَعَا، فضرورة، وسيأتي توجيهه.

إذاً: (كَيْ) تكون بِمنْزلة لام التَّعلِيل معنَىً وعملاً، وذلك إذا دخلت على (ما) الاستفهامية، و (ما) المَصدريَّة، وتدخل على المضارع، ويكون الفعل منصوباً بعدها بـ: (أَنْ) مُضمرةً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015