* شرح الترجمة (إعراب الفعل) والأصل في الأفعال
* رفع المضارع وعامله
* ينصب المضارع بـ (لن) ــ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، وَالصَّلاة وَالسَّلامَ عَلَى نَبِيَّنَا مُحَمَّد، وَعَلى آله وَصَحْبِه أَجْمَعِين، أمَّا بعد:
قال النَّاظِم رحمه الله تعالى: (إِعْرَابُ الْفِعْلِ) أي: هذا بابٌ مُتَعلِّق بإعراب الفعل.
بعدما أنْهى ما يَتَعلَّق بالأسماء المصروفة وغير المصروفة، شرع في الفعل المعرب، وهو الفعل المضارع، وقد أشار فيما سبق إلى أنَّه مُعرَب، وقد اختلف البصريون والكوفيون في الأصل في الأفعال: هل هي مُعرَبة أو مَبنِيَّة؟ والذي عليه مذهب البصريين: أنَّ الفعل مبني، هذا الأصل فيه، ولذلك ما جاء على الأصل لا يُسأل عنه، وأن الأصل في الأسماء الإعراب.
والكوفيون يرون أن الأصل في الاسم والفعل الإعراب مَعاً، حِينئذٍ ما جاء على الأصل لا يُسأل عنه، كما سبق في بيان الاسم:
وَالاِسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي ... لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي
حِينئذٍ ما جاء مُعرَباً من الأسماء لا يُسأل عنه، وما جاء مَبنيَّاً فيُقال: لم بُنِي؟ حِينئذٍ لا بُدَّ من بحث عن عِلَّةٍ، وقد سبق بيان العلل في باب المعرب والمبني، وسبق قوله:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... وَأَعْرَبُوا مُضَارِعاً إِنْ عَرِيَا
مِنْ نُونِ تَوْكِيدٍ مُبَاشِرٍ وَمِنْ ... نُونِ إِنَاثٍ. . . . . . . . . . .
حِينئذٍ حكم بكون الفعل المضارع مُعْرَب، وهذا على خلاف الأصل، إذْ الأصل في الفعل: أنَّه مبني، هذا عند البصريين، حِينئذٍ الفعل الماضي لا يُسأل عنه، لأنَّه وافق الأصل، وما جاء على الأصل لا يقال: لم بُنِي؟ كذلك فعل الأمر على مذهب البصريين مبني، وحِينئذٍ لا يُسأل عنه؛ لأنَّه جاء على الأصل، فلا يُقال: لم بُنِي فعل الأمر؟
وأمَّا على مذهب الكوفيين فالأصل عندهم الإعراب، والفعل -فعل الأمر- مُعرَبٌ عندهم، والفعل المضارع مُعرَبٌ عندهم، إذاً: لا يُسأل عن عِلَّة إعراب فعل الأمر ولا المضارع، لأنَّه وافق الأصل، وإنَّمَا يُسأل عن عِلَّة بناء الفعل الماضي، فيُقال: لم بُنِي الفعل الماضي؟
إذاً: باختلاف الأصلين حِينئذٍ يأتي التَّعلِيل، باختلاف الأصلين: الأصل في الفعل هل هو مُعرَبٌ أو مبني؟ يأتي التَّعلِيل، فعلى مذهب الكوفيين لا نَحتاج أن نقول: لم أُعرب الفعل المضارع؟ لأنَّه جاء على الأصل، وما جاء على الأصل لا يُسْأل عنه، وأمَّا على مذهب البصريين فالأصل في الفعل أنَّه مبني، فحِينئذٍ إذا أُعْرِب الفعل المضارع نقول: لم أعرب الفعل المضارع؟
هنا قال: (إِعْرَابُ الْفِعْلِ) وأطلق الفعل، والمُراد به: الفعل المضارع، لماذا؟ لأنَّه لا مُعرَب عِنْد البصريين إلا الفعل المضارع، بشرط خُلوِّه من النونين، يعني: ألا تَتَّصِل به نون الإناث، وألا تَتَّصِل به نون التوكيد، وتكون مُباشِرةً للفعل، وحِينئذٍ الفعل قد يكون مُعرَباً، وقد يكون مُبنيَّاً، يكون مَبنيَّاً في حالين: وذلك إذا اتَّصَلَت به نون الإناث، أو نون التوكيد المباشرة، ولذلك سبق:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... وَأَعْرَبُوا مُضَارِعاً إِنْ عَرِيَا
مِنْ نُونِ تَوْكِيدٍ مُبَاشِرٍ وَمِنْ ... نُونِ إِنَاثٍ كَيَرُعْنَ مَنْ فُتِنْ
إذا لم تَتَّصِل به نون الإناث، ولا نون التوكيد، حِينئذٍ حكمنا عليه بكونه مُعرَباً.
وما عِلَّة الإعراب؟ عند البصريين أنَّ عِلَّة الإعراب مُشابَهتُه للاسم، لذلك سُمِّي: مضارعاً، من المضارعة وهي المُشابَهة، كما إذا ارتضعا من ثديٍ واحد .. هكذا قيل، فالمضارعة في اللغة: هي المُشابَهة، حِينئذٍ ما وجه المُشابَهَة بين الفعل المضارع والاسم؟
عند جمهور البصريين عُلِّلَ بخمسة أمور .. وجوه المُشابهة بين الفعل المضارع والاسم من خمسة أوجه:
الأول: وقوع الفعل المضارع موقع الاسم في كثير من المواقع، فيقع خَبَراً، وصِفةً، وصِلَةً، وحالاً، يعني: هذه المحال -الخبر والصفة والصلة والحال- قد يقع في المحل ما هو اسم، وقد يقع في المحل ما هو فعلٌ مضارع، إذاً أشْبَهَه فيُقَال: زيدٌ قائمٌ .. زيدٌ يقوم، جاء الاسم خَبَراً وجاء فعلاً، وكذلك الصفة: مررت بِرجلٍ ضاحكٍ، ومررت برجلٍ يضحك، إذاً: جاءت الصِّفَة فعلاً، وجاءت اسْماً.