(عَامرُ) ممنوع من الصَّرف؟ لا، ليس ممنوعاً من الصَّرف، لكن هنا مَنَعه، إذاً: يَجوز منع المصروف للضَّرورة، لذلك ذهب ابن مالك هنا إلى كونه جائز (وَالمَصْرُوفُ قَدْ لاَ يَنْصَرِفْ) (وَالمَصْرُوفُ) الَّذي الأصل فيه: أنَّه الصرف (قَدْ لاَ يَنْصَرِفْ) (قَدْ) للتَّقليل .. لكنَّه قليل يعني، ولذلك قال قائل:
فَمَا كَانَ حِصْنٌ وَلا حَابِسٌ ... يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِي مَجْمَعٍ
(مِرْدَاسَ) على وزن (مِفْعَال) هل هو ممنوعٌ من الصَّرف أو لا؟ ليس ممنوعاً من الصَّرف، لكن منعه هنا قال: (مِرْدَاسَ) لم يُنَوِّنه، فمنعه من الصَّرف لضرورة الوزن، وكذلك مثله:
طَلَبَ الأَزَارِقَ بالكَتَائِبِ إِذْ هَوَتْ ... بِشَبِيبَ غَائِلَةُ النُّفُوسِ غَدُورُ
(بِشَبِيبَ) هذا ليس ممنوعاً من الصَّرف بل هو مصروف.
على كُلٍّ: سُمِع في لسان العرب أنَّ الشَّاعر قد يمنع ما هو مصروفٌ في الأصل للضَّرورة.
إذاً: (لاِضْطِرَارٍ) يَعمُّ النَّوعين، فيجوز أن يصرف الشاعر مالا ينصرف، وهذا الَّذي نصَّ عليه الحريري هناك في (المُلحة):
وَجَائِزٌ فِي صَنْعَةِ الشِّعْرِ الصَّلِفْ ... أَنْ يَصْرِفُ الشَّاعِرُ مَا لاَ يَنْصَرِفْ
وهذه لها ضوابط عندهم، وإنَّما يُنْظَر فيها على حسب الضَّوابِط، ليس كل ما عّنَّ له صرفه، أو أنَّه يُقال اضْطُّر إليه، لا، إنَّما لها ضوابط.
(وَلاِضْطِرَارٍ) إذًا: يَعُمُّ صرف الممنوع ومنع المصروف، وأمَّا مذهب الكوفيين فجواز منع المصروف، ومذهب البصريين المنع فلا يجوز عندهم أن يمنع الشاعر ما هو مصروفٌ في الأصل، لأنَّه إجحافٌ به، الأصل فيه: أنَّه يُنَوَّن تنوين صرف، فإذا منعه حينئذٍ أجحفه وسَلَبَه حقه وهذا ممنوع.
(وَلاَضْطِرَارٍ) هذا جار مجرور مُتعلِّق بقوله: (صُرِفْ) (أَوْ) هذه للتَّقسيم (تَنَاسُبٍ) معطوف على (اضْطِرَارٍ) والمعطوف على المجرور مجرور (صُرِفْ) صرف وجوباً، وإن كانت اللفظة لا تدل على الوجوب.
(وَلاِضْطِرَارٍ أَوْ تَنَاسُبٍ صُرِفْ) يعني: وجوباً.
(ذُو المَنْعِ) (صُرِفْ) فعل ماضي مغيَّر الصيغة مبني على الفتح، أين الفتح؟ مُقدَّر، لماذا؟ سكون الرَّوي، (ضُرِبْ) نقول: هذا مبني على الفتح، لكن الفتح ليس ظاهراً هنا، دائماً في الوقف تُعرِبه بسكون الوقف، يعني: تُقدِّر الحركة، ولذلك اتفقوا على أنَّ العرب إنَّما تقف على ساكن ولا تقف على متحرِّك، كما أنَّها لا تبدأ بساكن بل تبدأ بِمتحرِّك، فإذا قيل: جاء زيد (زيد) فاعل مرفوع ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بسكون الوقف، جاء زيد: هذا يُخطئ فيه الطُّلاب نقول: جاء زيد، أعرب: جاء زيد؟ فتقول: جاء زيد، هذا فاعل مرفوع ورفعه ضَمَّة ظاهرة على آخره، ما في ضَمَّة ظاهرة! أنت تقول: جاء زيد، الضمَّة الظاهرة تكون في الوصل، أمَّا في الوقف فليس عندنا فتحة ظاهرة، ولا ضَمَّة ظاهرة، ولا كسرة ظاهرة، وإنَّما تكون في الوصل فقط إذا كان، جاء زَيدُ وعمرو، الأوَّل مرفوع بضَمَّة ظاهرة والثَّاني مرفوع بضَمَّة مُقَدَّرة، إذاً: في الوقف تُقدِّر الحركة: رفعاً، أو نصباً، أو خفضاً.