* شرح الترجمة (نونا التوكيد) ـ
* الأفعال التي يجوز تأكيدها والتي لا يجوز تأكيدها
* حكم آخر المؤكد
* حكم تأكيد الأفعال المسندة إلى الضمائر
* أحكام تختص بنون التوكيد الخفيفة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد:
قال الناظم - رحمه الله تعالى -: (نُونَا التَّوْكِيْدِ).
أي: هذا باب بيان الأحكام المتعلِّقة بِنُونَي التوكيد، وهذا الباب الأصل: أنَّه ليس من أبواب النحو، لأنَّه ليس فيه إلا: (وَآخِرَ المُؤَكَّدِ افْتَحْ) هذا الذي يتعلَّق بالنحو، وبقية الأبيات لا علاقة له بالنحو، لأن المسألة متعلِّقة (بالصرف) يعني: ما يُحْذَف وماذا إذا أُسْنِد إلى المعتل الآخر بالألف، وماذا إذا كان رافعاً لواو أو ياء وألف، كل الأحكام هذه ليست من مجال النحو.
(نُونَا التَّوْكِيْدِ)
أي: هذا باب بيان ما يَتعلَّق بنوني التوكيد، التوكيد سبق أنَّه تقوية، إذاً: حينئذٍ قد يُقوَّى الفعل .. توكيد الفعل تقويته بأشياء عدَّة، لكن منها: (نونا التوكيد) وإلا قد يُؤكَّد الفعل بالقسم .. قد يؤكَّد بـ (قد) .. قد يؤكَّد بـ (إن) إلى آخر ما يذكره البيانيُّون.
وأمَّا هنا فالكلام فيما يتعلَّق بنوني التوكيد، ونونا التوكيد المراد بهما: الثقيلة والخفيفة - والمراد بالثقيلة (المشدَّدة) يعني: عبارة عن نونين - النون الأولى (ساكنة) والنون الثانية (متحرِّكة) فَأُدغِمت الأولى في الثانية.
والخفيفة مُرادهم به نون واحدة .. حرف واحد، وهي ساكنةٌ، حينئذٍ نقول: النون الثقيلة والنون الخفيفة باستقراء كلام العرب لا يوجد نونٌ ثالثة يُؤَكَّد بها إلا هاتان النونان، (نونا التوكيد)، لكن هل أحدهما أصل والآخر فرع .. أو كلٌ منهما أصل؟ هذا فيه أربعة مذاهب تقريباً:
ذهب البصريُّون إلى أن كلاٌ منهما أصلٌ، يعني: النون الثقيلة أصل، والنون الخفيفة أصل، فليس أحدهما فرعاً عن الآخر، كلٌ منهما أصلٌ برأسه منفصلٌ عن الآخر، لماذا؟ قالوا: لتخالف بعض أحكامهما، يعني: ثَمَّ أحكام تَختصُّ بالثقيلة، وثَمَّ أحكامٌ تَخْتَصُّ بالخفيفة، حينئذٍ لَمَّا تخالفا علمنا أن كلاً منهما أصلٌ برأسه لوجود المخالفة بين النونين.
كإبدال الخفيفة ألفاً في الوقف، سيأتي أربعة أحكام تنفرد الخفيفة عن الثقيلة، إبدال الخفيفة ألفاً وقفاً في نحو: (وَليَكُونا) وحذفها في نحو:
لاَ تهُيَنَ الفَقِيرَ عَلَّكَ أَنْ ..
وهذان الحكمان ممتنعان في الثقيلة - الثقيلة لا تُقْلَب ألفاً في الوقف، وكذلك لا تُحْذَف إذا لقيت ساكن .. تابعها ساكن أو جاء بعدها ساكن، إذاً: هذان حكمان مخْتَصَّان بالخفيفة، ولا يوجدان، بل ممتنعان في الثقيلة، إذاً: بينهما تَخالف.
وكوقوع الشَّديدة بعد الألف وهو ممتنع في الخفيفة، إذاً: للتَّخالف جُعِل كلٌ منهما أصلٌ، وهذا مذهب جماهير البصريين بل نُسِب إلى البصريين على جهة العموم، وعُورِض هذا التَّعليل: أن كلاً منهما أصل لوجود التَّخالف بين النونين في بعض الأحكام.
نقول: (إنَّ وأنَّ) الثانية فرعٌ عن الأولى ووُجِد التَّخالف، إذاً: وجود التَّخالف .. تَفرُّد الفرع ببعض الأحكام مُخالفاً للأصل لا يَجعله أصلاً مُستقلاً بنفسه، بل تثبت له الفرعية ومع ذلك نَحكم له ببعض التَّخالف مع الأصل.