(تأخر عنه من اسمٍ ظاهر) لا يكون ضميراً كما سيأتي، (معرفة) لا يكون نكرة، (معمولٍ لأخصُّ) عَيَّن هنا، ولذلك قيل: باب الاختصاص، معمول لفعلٍ مُضْمَر واجب الإضمار تقديره: أخصُّ.
ففي مِثَال الناظم هنا (ارجوني أيها الفتى) (ارْجُونِي) الياء هذه مفعولٌ به (أَيُّهَا الفَتَى) يعني: أخصُّ (أَيُّهَا)، فـ: (أَيُّ) هذا منصوب على الاختصاص، لَكنَّه من جهة المحل، لأنه مبني في اللفظ.
إذاً: هذا حقيقته من حيث المعنى الاصطلاحي، والمعنى اللغوي.
وأما الباعث له، يعني: لماذا يؤتى به؟ قال النحاة: محصورٌ في ثلاثة أمور:
الأول: (الفَخْر عَلَيَّ أيُّها الكريم يُعْتَمَد) .. عليَّ أيها الكريم أخص .. (عليَّ) أتى بياء المُتكلِّم، سواءٌ كانت مجرورة أو منصوبة كما في (ارْجُونِي)، (أيُّها الكريم) (الكريم) اسم جنس مُحلىً بـ (أل) وهو نعت لـ (أيُّ) و (أيًُّ) هو المنصوب على الاختصاص، يعني تَقديره: (عَلَيَّ أخصُّ أيُّها الكريم يعتمد الفقير).
الثاني -من باب التواضع-: أنا أيُّها العبد الضعيف مُفْتَقِرٌ إلى عفو الله، (أنا أيها العبد .. أنا أخص أيها العبد).
الثالث: بيان المقصود بالضمير: (نَحن) هذا مُبْهَم، الضمائر كلها مبهمة: نحن العُرب أقرى الناس للضيف، وهذا مَثَّل به الناظم لكن .. ؟؟؟ (نَحْنُ العُرْبَ أَسْخَى مَنْ بَذَل) فانظر! جاء لفظ العرب وهو مفعولٌ به لفعلٍ محذوف وجوباً تقديره أخُص، فتقول (العُرْبَ) هذا منصوبٌ على الاختصاص، إذاً: الباعث على الإتيان بهذا التركيب، وهو تركيبٌ صحيح فصيح، ولذلك جاء في السنة: {إِنَّا مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ لا نُورَثُ} إمَّا للفخر، وإمَّا للتواضع، وإمَّا لبيان المقصود بالضمير.
الاِخْتِصَاصُ
وإنْما ذَكَر هذا الباب بعد أبواب النداء، لماذا؟ قالوا: لشبهه به في اللفظ، كما نَصَّ الناظم قال: (الاِخْتِصَاصُ كَنِدَاءٍ) وسيأتي أن الاختصاص يُفارق النداء في ثماني عشرة موضعاً، والناظم تَرَك كثير من المسائل، أو بعض المسائل التي تَتَعلَّق بهذا الباب، ولذلك المكُودِي في شرحه قال: "قد أجحف الناظم بهذا الباب" لأنه لم يذكر إلا بيتين.
قال رحمه الله:
الاِخْتِصَاصُ كَنِدَاءٍ دُونَ يَا ... كَأَيُّهَا الفَتَى بِإِثْرِ ارْجُونِيَا
وَقَدْ يُرَى ذَا دُونَ أَيٍّ تِلوَ أَلْ ... كَمِثْلِ نَحْنُ العُرْبَ أَسْخَى مَنْ بَذَلْ
(الاِخْتِصَاص) مبتدأ وهو خبر، (كَنِدَاءٍ) جار مجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر المبتدأ، (الاِخْتِصَاصُ كَنِدَاءٍ) يعني: مِثلُ النداء، (دُونَ يَا) (دُونَ) هذا ظرف منصوب على الظرفية، مُتعلِّق بمحذوف نعت، و (دُونَ) هذا مضاف و (يَا) قُصِد لفظه: مضافٌ إليه.
إذاً: (كَنِدَاءٍ دُونَ يَا) (دُونَ) هذا نعت لنداء، وهو مضاف و (يَا) مضاف إليه (كقولك) الكاف داخلة على قولٍ محذوف، وهذا دائماً نَقَدِّره إذا كانت الكاف داخلةً على جملة (كقولك) بخلاف إذا كانت داخلة على مفردٍ، (كَأَيُّهَا الفَتَى) هذه الجملة في محل جر قُصِد لفظها، (بِإِثْرِ) حال من (أيُّ).