إذاً: فُهِمَ من قوله: (فِي النِّدَا) أن التعويض هنا من ياء المُتَكلِّم في أبٍ وأم لا يكون إلا في النداء، لتقديمه الجار والمجرور، وفُهِمَ أيضاً من التنصيص على قوله، بقوله: (أَبَتِ أُمَّتِ) أنه خاصٌ بهذين اللفظين، ولذلك لم يقل: في نحو، وإنما قال: (أَبَتِ أُمَّتِ) فدل على أنه خاصٌ بهذين اللفظين، وفُهِمَ أيضاً أن ذلك مختصٌ بالأب والأم، وأفْهَمَ أيضاً: أن التعويض ليس بلازمٍ فيهما، لأنه قال: (عَرَضْ) والعَرَض ليس بلازمٍ.
إذاً: نأخذ من الشطر الأول: أن اللفظين خاصان بأب وأم، أصله: أبي وأمي، في النداء لا في غيره عَرَضَ، إذاً: ليس بلازم، تقلب الياء تاءً، (وَاكْسِرْ أَوِ افْتَحْ) يعني: التاء أبتِ .. أبتَ، أمتِ .. أمتَ، يا أبتِ .. يا أبتَ، يا أمتِ .. يا أمتَ، بالفتح والكسر، وهنا قَدَّم الكسر لأنه أكثر، وأخر الفتح لأنه أقل، وإن كان الثاني أقْيس من الأول، الثاني الذي هو الفتح أقْيس، والكسر أكثر، يعني: هو الشائع في لسان العرب. (وَاكْسِرْ أَوِ افْتَحْ) وهو الأقْيس الذي هو الفتح، لأن التاء عوضٌ عن الياء، وحركتها الفتح، وتَحرُّكها بحركة أصلها هو الأصل، لماذا؟ لأن التاء عِوضٌ عن الياء، والياء في الأصل أنها مُحرَّكة، لأن ما نقلبها تاء إلا إذا تَحرَّكت، وتَحرَّكت بالفتح.
إذاً نقول: يا أبتَ .. يا أمتَ، بالفتح لمناسبة الياء لأنها مُنْقَلِبة عن الياء، والياء حركتها حركة فتح، فحينئذٍ نقول: تُعْطَى حكم ما انقلبت عنه، إذاً: الفتح هو الأقْيس، لأن التاء عوضٌ عن الياء وحركة الياء الفتح، وتَحرُّكها يعني: التاء بحركة أصلها وهو الياء هو الأصل، وهذا واضح، لذلك قيل: أقيس.
والكسر أكثر في لسان العرب، لأن الكسر عوضٌ عن الكسر الذي كان يستحقه ما قبل الياء، يعني: كأنه قيل: يا أبتِ .. يا أمتِ، لماذا كُسِرَتْ التاء؟ لأن التاء منقلبة عن ياء، هذه الياء يناسبها ما قبلها أن يكون مكسوراً، هذا بعيد قليلاً، حينئذٍ نقول: الأقْيس هو التاء، ولكن الكسر مسموعٌ في لسان العرب، كأنهم راعوا أن ما قبل الياء يكون مكسوراً فأُعْطِي حركةً للتاء، والكسر أكثر لأن الكسر عوضٌ عن الكسر الذي كان يستحقه ما قبل الياء، وزال حين مجيء التاء لأن ما قبلها لا يكون إلا مفتوحاً، كأنهم أخذوا الكسرة التي قبل الياء فأعطوها للتاء.
على كل: هكذا سُمِعَ بالكسر والفتح، وننطق بهما.
(وَاكْسِرْ أَوِ افْتَحْ) إذاً: قَدَّم الكسر لأنه أكثر وإن لم يكن أقْيس، والفتح ثنى به لأنه أقل استعمالاً في لسان العرب.