(وَاضْمُمْ أَوِ انْصِبْ مَا اضْطِرَاراً نُوِّنَا ... مِمَّا) يعني: المُنَادى الذي (لَهُ اسْتِحْقَاقُ ضَمٍّ) ظَاهِرُه: ولو فيما ضَمُّه مُقدَّر، لو قال: يا موسى، وأراد تنوينه، حينئذٍ كيف يصنع .. هل يجوز فيه الوجهان: أن تُقَدَّر الضمة وتُقَدَّر فيه الفتحة؟ ظَاهر كلامه: ضَمٍّ ولو في ما ضَمُّه مُقَدَّر.
وقيل: ليس هذا بِمُراد، وإنَّما عَيَّن أن يكون الكلام فيما إذا كان الضَمُّ ظاهراً؛ لأنه هو الذي يحتاج إلى تنوين، وأمَّا ما عداه لو نَوَّنَه حينئذٍ الساكن إذا حُذِفَ جاء محله ساكن.
الآن إذا اضْطُرَّ .. (يا مَطَرُ) .. إذا اضْطُرَّ إلى تنوينه حينئذٍ زاده - إذا افْتَقَر إلى حرف ساكن - جاء بالتنوين: يا مَطَرٌ، يستقيم معه الوزن مثلاً، وأما إذا قيل: يا فتىً .. يا موسىً، نقول: (موسى) ساكن .. (فتى) ساكن، إذا جاء بالتنوين ضرورةً حينئذٍ حُذِفَ الأول وجاء التنوين محله فصار ساكن، إذاً: ماذا استفاد؟ ذَهَبَ ساكن وأتى ساكن، لكن يا مَطَرُ .. مَطَرٌ، جاء ساكن بعد الحرف، ولذلك قُيِّدَ قوله (ضَمٍّ): أن يكون الضم ظاهراً؛ لأنه لا ضرورة في تنوين مقصورٍ ونحوه؛ لأنه لو ذهب الحرف الساكن وجاء بالتنوين حَلَّ مَحَلَّ الساكن ساكنٌ آخر، وأما مَطَرٌ، وعديّاً لا.
وقوله (بُيِّنَا) أي: أُظْهِر صفةٌ لـ (ضَمّ).
واختار الخليل وسيبويه الضَمَّ على النصب، ولذلك قَدَّمَه الناظم قال: (وَاضْمُمْ أَوِ انْصِبْ).
وأبو عمرو، وعيسى، ويُونس والمُبَرِّد اختاروا النصب، يعني: النصب أرجح، يجوز الوجهان اتفاقاً، لكن الخلاف في الأرجح منهما، اختار الخليل وسيبويه: الضَّم، وأبو عمرو وعيسى ويُونس والمُبَرِّد: النصب، ووافق الناظم الأولَين الخليل وسيبويه في العَلَم، وفي الآخرين في اسم الجنس، يعني: فَصَّل، هذا في غير هذا الكتاب: وافق الخليل وسيبويه في تقديم الضَّمِّ على النصب؛ لأنه أرجح إذا كان عَلَماً.
ورجح النصب على الضَّم إذا كان اسم جنس، يعني: نكرة مقصودة، ووجه: (أن اسم الجنس أصْلٌ بالنَظَر إلى العَلَم) .. النكرة أصل للمعرفة هذا لا إشكال، (والإعراب أصلٌ بالنَظَر إلى البناء) فَلَمَّا اضْطُرَّ الشاعر أُعطِي الأصل للأصل والفرع للفرع، أُعطِي الأصل للأصل، يعني: أُعطِي الأصل .. الإعراب للأصل الذي هو النكرة، فإذا نَوَّنَ النكرة المقصودة اسم الجنس، حينئذٍ نَصَبه فكان أرجح رجوعاً إلى أصله، وإذا نَوَّنَ العَلَم، حينئذٍ التعريف فرع، والبناء فرع، فأعطى الفَرع للفَرع، هكذا قيل.
وَاضْمُمْ أَوِ انْصِبْ مَا اضْطِرَاراً نُوِّنَا ... مِمَّا لَهُ اسْتِحْقَاقُ ضَمٍّ ..
(اسْتِحْقَاقُ ضَمِّ لَه) قلنا: الجملة هذه لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، و (ضَمٍّ): هذا مُضاف إليه، و (بُيِّنَا) أي: أُظهِر هذا صفةٌ لـ: (ضَمٍّ)، احترز به من الضَمِّ المُقَدَّر، فإنه لا يُضْطر إلى تنوينه، وقيل (بُيِّنَا) بمعنى: فيما ذكرناه سابقاً.
حينئذٍ يَعُم قوله: (ضَمِّ) فيما إذا كان ضَمُّه مُقَدَّراً، وإذا جعلنا (بُيِّنَا) يعني: ظاهر حينئذٍ صار احترازاً، انظروا الكلام كيف؟ يَحتمل هذا ويحتمل ذاك.