والنكرة غير المقصودة: أن لا يُعيِّن .. نفسه، فيقول: يا رجلاً، أيَّ رجلٍ .. لا يُحَدِّد رجلاً بعينه .. لا يُقْبِل على شخصٍ بعينه، ولذلك يمثلون بقول الأعمى؛ لأنه ما يرى من أمامه: يا رجلاً خذ بيدي، أيَّ واحد .. أياً كان: يا رجلاً خذ بيدي، إذاً: لم يُعيِّن شخصاً بعينه، ولذلك اقتضى أن تكون منصوبة.
(وَالمُفْرَدَ المَنْكُورَ) (المفرد) بالنصب مفعول مُقدَّم لقوله: (انْصِبْ) وجوباً، إذ لا يجوز فيه إلا النصب.
(انْصِبْ) هذا فعل أمر، (وَالمُفْرَدَ) مفعولٌ به مُقدَّم، و (المَنْكُورَ) المُرادُ به هنا باعتبار ما سبق، المرُادُ به: النكرة غير المقصودة، لأنه قال: (وَابْنِ المُعَرَّفَ) (المُعَرَّفَ): دخل فيه كل مُنادىً معرفة، فدخل فيه النكرة المقصودة.
قال: (وَالمُفْرَدَ المَنْكُورَ) ولم يُقيِّدهُ بالتعريف بل بقي على تنكيره، حينئذٍ نقول: قابل المُعرَّف السابق فبقيَ على أصله وهو: أنه نكرة، وهذا إنما يكون في باب النداء في النكرة غير المقصودة، كقول الأعمى: يا رجلاً خذ بيدي، أو قول الواعظ: يا غَافِلاً وَالَموْتُ يَطْلبُه، يا غَافِلاً .. على المنبر يقول: يا غَافِلاً لا يُعيِّن شخص بعينه، وإنما من يصدق عليه الوصف فهو هو: يا غَافِلاً وَالَموْتُ يَطْلبُه.
(وَالمُضَافَا) الألف هذه للإطلاق، يعني: وانْصِب المضافا، وعرفنا المضاف المُراد به: كل اسمين نُزِّلَ ثانيهما مُنَزَّلة التنوين مما قبله، فيقال: يا غلام زيدٍ، بالنصب .. يا غُلامَ زيدٍ.
هناك: يا رجلاً خذ بيدي، (رجلاً) نقول: هذا مُنَادى منصوب، وعلامة نصبه فتحة ظاهرة على آخره .. على الأصل، ليس عندنا بناء، وليس عندنا محل، فإنما يظهر الإعراب على اللفظ، فهو مُعرَب، إذا كان مُعرَباً لا إشكال فيه، فتقول: (يا) حرف نداء، و (غافلاً) أو (رجلاً) مُنادى وهو نكرة غير مقصودة، وهو منصوبٌ واجب النصب، وما بعده يكون تابعاً له.
(وَالمُضَافَا) يا غلامَ زيدٍ .. يا صاحبَ علمٍ .. يا طالبَ العلم، نقول: هذا كله مضاف، حينئذٍ يَتعيَّن فيه النصب، ولذلك قال: (انْصِبْ) بلا خلاف، كما قال: (عَادِماً خِلاَفَا).
والمضاف هنا هل يشمل الإضافة المحضة .. خاص بالإضافة المحضة، أم أنه عام؟ نقول: (وَالمُضَافَا) هذا عام أطلقه الناظم، فيشمل النوعين سواءٌ كانَت الإضافة إضافةً محضة أو إضافةً لفظية غير محضة، فتقول: يا ضارب زيدٍ .. يا حسنَ الوجه .. يا مضروبَ العبد، نقول: هذا كله يكون منصوباً؛ لأنه مُنَادى مضاف فدخل في قوله: (المُضَافَا).
(وَالمُضَافَا) سواءٌ كانت الإضافة محضة: ((رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا)) [آل عمران:147] (ربنا) هذا إضافة محضة، أو غير محضة نحو: يا حسن الوجه.
وعن ثَعْلب: إجازة الضَّمِّ في غير المحضة، يعني: اللفظية أجاز ثَعْلب فيها الضَّمْ، لكن لم يعتبره الناظم، ولذلك قال: (عَادِمَاً خِلاَفَا) يعني: انصب والفاعل أنت، (عَادِمَاً) حال كونك عَادِماً خِلاَفَا في المسائل الثلاث، سواءٌ كان النكرة غير مقصودة، والمضاف بنوعيه ولم يعتبِر خلاف ثعلب، وشبه المضاف.
إذاً: عن ثعلب أنه في الإضافة اللفظية يجوز فيها الضَمُّ: يا ضاربُ زيدٍ .. يا ضاربَ زيدٍ: يجوز الوجهان عند ثعلب.