وأمَّا غير هذه فيُحذفُ معها الحرف جوازاً لا مع قِلَّةٍ، فتقول: يا زيد أقبل .. زيد أقبل، يا عبد الله اركب .. عبد الله اركب إلى آخره، لكن الحذف مع اسم الإشارة قليل .. (قَلَّ)، وكذا مع اسْمِ الجِنْسِ حتى إن أكثر النحويين منعوا، وهو مذهب البصريين، ولكن أجازه طائفةٌ منهم وتبعهم المصنف، ولهذا قال: (وَمَنْ يَمْنَعْه فَانْصُرْ عَاذِلَهْ) انْصُرْ عَاذِلَهْ، يعني: انْصُرْ من يعذله على من منعه لورود السماعِ به، فمِمَّا ورد منه مع اسم الإشارة قوله تعالى: ((ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ)) [البقرة:85] وسطه بماذا؟ ((هَؤُلاءِ)) [البقرة:85] ثم أنتم يا هؤلاء تقتلون أنفسكم.

وقولُ الشاعر: ذَا ارْعِوَاءً البيت يعني: يا ذا، (ذا) هذا اسم إشارة وهو مُنَادى، ومما ورد منه مع اسم الجِنْس قولهم: أَصبِح ليلُ يعني: يا ليلُ .. أَصبِح يا ليلُ، حُذِفت (يا) قيل: أَصبِح ليلُ، ومنه: ثوبي حجر .. ثوبي يا حجر، وأطرِقْ كَرَا، أصله: يا كروان ثُم رُخِّم، أطرِقْ كَرَا .. يا كرا إن النَّعَامَ في القَرَى، وهذا مثلٌ يُضربُ لمن تَكَبَّر وقد تواضع من هو أشرف منه هكذا قيل، أي: اخفِض يا كرى عُنُقَكَ للصيد .. حيوان، فإن من هو أكبر وأطول منك عُنقاً وهو النعامُ قد صِيدَ، إذاً: قيل: يا كَرَا .. يا كَرَوان هذا الأصل .. فجاز.

وكلاهما عند الكوفيين مَقيسٌ مُطَّرِد الذي هو: حذف (يا) النداء، أو حرف النداء مع اسم الإشارة واسْمَ الجِنْس، مُطِّرِد عند الكوفيين قياساً مُطَّرِداً، ومذهبُ البصريين المنعُ فيهما، وحُمِلَ ما وَردَ على شذوذٍ أو ضرورة، كل ما ورد إمَّا شاذ وإمَّا ضرورة.

ولذلك لحنوا المتنبي: (هَذِي بَرَزْتِ لَنا فَهِجْتِ رَسيسَا .. )

هذي، يعني: يا هذه لحَّنُوا المتنبي، والبصريون عندهم قوة في تلحين الشعراء.

إذاً نقول: يجوز حذُفُ حرف النداء إلا فيما منعه الناظم بقوله: (مَنْدُوبٍ وَمُضْمَرٍ وَمَا جَا مُسْتَغَاثَاً).

هنا قال: " الحاصل أن الحرف يَلْزَم في سبعة مواضع: المندوب، والمستغاث، والمُتعجبُ منه، والمُنَادى البعيد، والمُضمر، ولفظ الجلالة، واسمُ الجنسِ غير المُعيَّن، وفي اسم الإشارة واسم الجنس المُعيَّن خلافٌ كما عرفته" فمنعُ البصريين مشهور، وكذلك جواز الكوفيين.

أمَّا حذف المُنَادى وإبقاء حرفِ النداء .. العكس، حذف المُنَادى وإبقاءُ حرف النِداء يعني: تَحذف زيد وتبقي الحرف، المسألة السابقة في حذف حرف النداء وإبقاء المُنَادى، هنا العكس.

وأمَّا حَذفُ المُنَادى وإبقاء حرف النداء فهذا خَاصٌ الخلافُ الوارد فيه في (يا) فقط، وأمَّا ما عداه فلا يجوز .. لا يجوز أن يُحذف المُنَادى ويبقى حرفُ النداء، وأمَّا الخلاف الوارد فهو في (يا) على جهة الخصوص. فذهب ابن مالك إلى جوازه، لكن بشرط: أن يكون قبل الأمر والدعاء: ألا يا اسجدوا .. ألا يا هؤلاء اسجدوا، حُذِفَ المُنَادى وبقي (يا) على قول.

أَلاَ يا اسْلَمي يَا دارَ مَيَّ عَلى الْبَلى ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015