لكن ابن مالك رحمه الله تعالى يرى أن القسمة ثنائية: بعيد، وما هو في حكم البعيد، يُقابل هذه المرتبة القريب، ولذلك قال: (وَلِلمُنَادَى النَّاءِ أَوْ كَالنَّاءِ)، (النَّاءِ) يعني: البعيد مسافة، أو كالناء: المُنَزَّل مُنَزَّلةَ الناءِ البعيد، كالساهي والنائم، حينئذٍ جعل القسمة ثنائية، بدليل أنه قابل هذين النوعين بقوله: (وَالهَمْزُ لِلدَّانِي).
(وَلِلمُنَادَى النَّاءِ أَوْ كَالنَّاءِ) إذاً: عطف على النَّاء بقوله: (كَالنَّاءِ) مثل: الناءِ .. مثل البعيد، فهذه مرتبة واحدة، هذا الظاهر من صنيعه رحمه الله.
(وَالهَمْزُ لِلدَّانِي) هذا دَلَّ على أنه يرى أن القسمة ثنائية، والأمر واسع؛ لأن الأصل في هذه الأحرف في الغالب أنها تُستَعمل بعضها في بعضٍ، واختص بعضُها ببعض المراتب كما سيأتي بيانه.
ذكر أن المُنَادى البعيد له خمسة أحرف: (يا) و (أي) و (وا) و (آيا) و (هيا) هذه كم؟ خمسة (يا) و (أي) و (آ) هي الهمزة لكنها مُدَّت، (آيا) (هيا) كم هذه؟ خمسة، إذاً: ذَكَر للمُنَادى البعيد أو المُنَزَّل مُنَزَّلةَ البعيد بأن له خمسة أحرف.
(وَالهَمْزُ لِلدَّانِي) يعني: للقريب، دَنَا يَدْنو فَهوَ دَانٍ، يعني: قريب.
. . . وَ "وَا" لِمَنْ نُدِبْ ... أَوْ يَا وَغَيرُ وَا لَدَى اللَّبْسِ اجْتُنِبْ
هذا نداءٌ لكنه من نوعٍ آخر، وهو ما يُسمى: بالنُّدْبَة، يعني: المتفجع عليه أو منه، حينئذٍ نقول: المُنَادى إمَّا أن يكون مندوباً أو لا، المندوب: هذا ستأتي له أحكام، لكن ذكره هنا لأن المندوب نداءٌ، وليس كل مُنَادى يكون مندوباً، المندوب جزءٌ من المُنَادى، حينئذٍ حَرْفُه يُذْكَرُ في أَحرف النداء، وليس كل مُنَادى يكون مندوباً.
له (وا) وا زيداه .. وا رأساه .. وا ظهراه، هذا كله ندبٌ، حينئذٍ نقول: هذا نداٌ لكنه ندبٌ، (له وا) هذا هو الأصل فيه.
قال: و (يا) أو (يا) وهذه فرعية وليست أصلية، وإلا الأصل فيها: (وا) وبعضهم مَنَع أن تُسُتَعمل (يا) في الندب، ولذلك قال: (وَغَيرُ وَا لَدَى اللَّبْسِ اجْتُنِبْ) غَيرُ (وا) ما هو غَيرُ (وا)؟ في المندوب (يا)؛ لأنه ذكرَ حرفين فقط: أحدهما أصلٌ متفقٌ عليه، والثاني: مختلفٌ فيه وهو فرعٌ؛ لأن (يا) في الأصل: أنها تُسُتعمل للجميع، (وَغَيرُ وَا) الذي هو (يا)، (لَدَى اللَّبْسِ اجْتُنِبْ) هذا على جهة العموم.
قال رحمه الله: (وَلِلمُنَادَى النَّاءِ أَوْ كَالنَّاءِ يَا)، (يَا): هذا مبتدأ مؤخر قُصِدَ لفظه، وهو حرف في الأصل، لكنه قُصِدَ لفظه، حينئذٍ نقول: هو مبتدأ مؤخر، وقوله (لِلمُنَادَى) جار مجرور مُتَعلِّق بمحذوف خبر مُقدَّم، (يا) للمُنَادى، يعني: المدعو في لسان العرب وفي اصطلاح النحاة: النَّاءِ .. المُنَادى الناءِ، النَّاءِ: هذا صفة للمُنَادى، والمراد به: البعيد المسافة .. حقيقةً يعني، يا زيد، وهو بعيد عنك تناديه: يا زيد أقبل، ونحو ذلك.
فالناءِ المراد به: البعيدُ مسافةً: ناءِ بحذف الياء والاستغناء بالكسرة عنها، نائي: بالياء الأصل، لكن حُذِفت الياء واستغني بالكسرة.
(أَوْ) للتنويع، (كَالنَّاءِ) يعني: مثل النَّاءِ.