وأمَّا بدل البعض قيل: لم يُسمع، إذاً: قول الناظم هذا محتملٌ أنه يرى الجواز في الجميع، وَيُبْدَلُ الْفِعْلُ مِنَ الْفِعْلِ مطلقاً، أمَّا بدل كل من كل هذا متفق عليه، وبدل الاشتمال قيل كذلك، وأمَّا الغلط والبعض هذا لم يُسمع.
(كَمَنْ ... يَصِلْ إِلَيْنَا يَسْتَعِن بِنَا يُعَنْ)، (كَمَنْ) اسم شرط مبتدأ، (يَصِلْ) هذا فعل مضارع فعل الشرط، (إِلَيْنَا) مُتَعلِّق به، (يَسْتَعِنْ) يصل .. يستعن، إذاً: هو مُشْتملٌ على الاستعانة، يصل .. يستعن، (يَسْتَعِنْ) هذا بدل اشتمال من يصل، لأن وصول قاصد الاستعانة يشتمل على الاستعانة، (بِنَا يُعَنْ) يُعَنْ: هذا جواب الشرط.
قال الشارح: " كما يُبدل الاسم من الاسم يبدل الفِعْل من الفِعْل، فيستعن بنا بدلٌ من يصل إلينا " قيل: مثله قوله تعالى: ((وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاما * يُضَاعَفْ)) [الفرقان: 68 - 69] قيل يضاعف: هذا بدل اشتمال من قوله: ((يَلْقَ أَثَاما)) [الفرقان: 68] لأن لُقِيِّ الآثام أن يحصل له العذاب مضاعفاً، وهو يشتمل على المضاعفة، ولو قيل: بدل كل من كل كذلك .. بل هو الظاهر، فيضاعف: بدلٌ من يلق، فإعرابه بإعرابه وهو الجزم.
وكذا قوله:
إِنّ عليَّ اللهِ أَن تُبايِعَا ... تُؤْخَذَ كَرْهاً. . . .
(تُؤخذَ) هذا بدل من قوله: تبايعا، بدل اشتمال كذلك، ولذلك نُصِبَ، وهنا ليس البدل بدل جملة من جملة لا، وإنما المراد بدل فعل من فعل، ولذلك يأخذ حكمه، هنا قال: تبايعا، بالنصب، تؤخذَ: بالنصب، كما قلنا هناك: عطف الفعل على الفعل، وهو ليس كعطف الجملة على الجملة.
قال ابن هشام: " ينبغي أن يُشترط لإبدال الفعل ما اشتُرط للعطف .. عطف الفعل على الفعل "، وهو .. ما هو شرط عطف الفعل على الفعل؟ اتحاد الزمن، ولا يشترط الموافقة في النوع، قال هنا: " ينبغي أن يشترط لإبدال الفعل ما اشتُرط لعطف الفعل على الفعل، وهو الاتحاد في الزمان دون الاتحاد في النوع، حتى يجوز: إن جئتني تمشي إليَّ أكرمك " جئتني تمشي .. تمشي: فعل مضارع، وجئت: هذا فعل ماضي، توافقا في الزمن.
وتُبدل الجملة من الجملة كذلك، كما يُبدل الفعل من الفعل. كما يعطف الفعل على الفعل، وتعطف الجملة على الجملة كذلك يُبدل الفعل من الفعل وتُبدل الجملة من الجملة نحو: ((أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ)) [الشعراء: 132 - 133] الجملة الثانية بدلٌ من الجملة الأولى.
وقد تبدل الجملة من المفرد كقوله:
إِلى اللَّهِ أَشْكُو بالمَدِينةِ حَاجَةً ... وبالشَّامِ أُخْرَى كَيْفَ يَلْتقِيانِ
أُبدِلَ: (كَيْفَ يَلْتقيانِ) من (حَاجَةً) و (أُخْرَى)، أي: إلى الله أشكوا هاتين الحاجتين تعذُر التقائهما.
وَيُبْدَلُ الفِعْلُ مِنْ الفِعْلِ كَمَنْ ... يَصِلْ إِلَيْنَا يَسْتَعِن بِنَا يُعَنْ
ونقف على هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!