وعكسه نحو: والذي يقوم أخواك فيغضب هو زيدٌ، ومثل ذلك جارٍ في الخبر والصفة والحال: ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً)) [الحج:63] .. ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً)) [الحج:63] أَنَّ: حرف توكيد ونصب، ولفظ الجلالة اسمها، وأنزل من السماء: خبر، "أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ" هنا الشاهد، الجملة في محل رفع خبر المبتدأ " أَنَّ اللَّهَ "، فيها ضمير؟ أنزل هو الله، إذاً: فيها ضمير .. مشتملة على ضمير، صلحت أن تكون خبراً؟ صلحت أن تكون خبراً، ((فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً)) [الحج:63] هذه الجملة خاوية من ضميرٍ يعود على المبتدأ الذي هو في الأصل: أن الله، ما الذي جوَّز عطف هذه الجملة على جملة الخبر، مع كون الأصل في العطف على الجمل إذا كانت خبرية أن يصلح أن يُخبر بها، فإذا قيل: ألم تر أن الله تصبح الأرض مخضرة، هل يصلح أن تقع خبر؟ لا يصلح لخلوها عن الضمير، لكن هنا عطفت على جملة الخبر مع كونها خاليةً من الضمير لكون العطف حاصلاً بالفاء، ((فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً))، ففيها معنى السببية.
وَاخَصُصْ بِفَاءٍ عَطْفَ مَا لَيْسَ صِلَهْ ... عَلَى الَّذِي اسْتَقَرَّ أَنَّهُ الصِّلَهْ
والصفة نحو: مررت بامرأة تضحك فيبكي زيدٌ، هذا من أمثلة الأشْمُوني، مررت بامرأة تضحك ما إعراب تضحك؟ صفة، تضحك، مشتملة على ضمير؟ مشتملة على ضمير هو المصحِّح لكونها واقعةً صفة، فيبكي زيدٌ، يبكي زيدٌ: فعل وفاعل، خالية عن ضمير الموصوف، عُطف بها على جملة الصفة: تضحك، ما الذي جوَّز؟ كون العطف حاصلاً بالفاء.
وبامرأة يضحك زيدٌ فتبكي، يضحك زيدٌ: هذه الجملة صفة، فتبكي: مثلها، وكذلك الخبر: زيدٌ يقوم فتقعد هندٌ، وزيدٌ تقعد هندٌ فيقوم، يعني: زيد، والحال: جاء زيدٌ يضحك فتبكي هندٌ، وجاء زيدٌ تبكي هندٌ فيضحك.
على كلٍّ، القاعدة هنا: أنه يعطف بالفاء على جملة الصلة، وجملة الصفة، وجملة الخبر، وجملة الحال، إذا خلت الجملة المعطوفة بالفاء عن ضميرٍ، فحينئذٍ لا تصلح هذه الجملة المعطوفة بالفاء أن تقع خبراً، ولا أن تقع صفةً، ولا أن تقع حالاً، ولا أن تقع صلةً لخلوها في الأربع المسائل عن الضمير، لأن الضمير شرطٌ في الجميع، كما سبق بيانه.
قال ابن عقيل: " واختصت الفاء بأنها تعطف ما لا يصلح أن يكون صلةً لخلوه عن ضمير الموصول، على ما يصلح أن يكون صلةً لاشتمالها على الضمير، نحو: الذي يطير فيغضب زيدٌ الذبابُ " ولو قلت: ويغضب زيدٌ أو ثم يغضب زيدٌ، لم يجز، لأن (ثم) و (الواو) لا تفيد السببية. لأن (الفاء) تدل على السببية خاصةً دون (الواو) ودون (ثم) فاستغني بها عن الرابط، هنا العلة: لكونها دالةً على السببية استغني بها عن الرابط، ولو قلت: الذي يطير ويغضب منه زيدٌ الذبابُ جاز، لأنك جئت بالضمير، والمسألة ليست مفترضة في جملةٍ مشتملة على الضمير، لو قال: الذي يطير ويغضب زيدٌ مُنع، الذي يطير ويغضب منه زيدٌ صح، لأنه صرَّح بالضمير.
بَعْضَاً بِحَتَّى اعْطِفْ عَلَى كُلٍّ وَلاَ ... يَكُونُ إِلاَّ غَايَةَ الَّذِي تَلاَ