وكما ذكرنا سابقاً ونعيد: أن الأول يُعرب فاعلاً اصطلاحاً، والثاني والثالث والرابع يعتبر معطوفاً ولا يعطف إلا بالواو، وأن الأربعة كلٌ منها فاعل ومفعول، الأول فاعل في الاصطلاح مفعولٌ في المعنى، ثُمَّ الثلاثة زيد وعمرو وبكر وخالد .. الثلاث المعطوفات بالواو كلٌ منها فاعل ومفعول، لأنه إذا ضارب فهو ضارب ومضروب، إذا قلت: تضارب زيدٌ وعمروٌ، عمروٌ هذا الثاني ضارب ومضروب، إذاً: هو فاعل للضرب ووقع عليه الضرب، والأول: تضارب زيد، في الاصطلاح هو فاعل ولا شك، وهو في المعنى مفعولٌ.

(وَاخْصُصْ بِهَا) يعني: بالواو (عَطْفَ)، (اخْصُصْ) فعل أمر، والفاعل أنت، (بِهَا) الضمير يعود على الواو، (عَطْفَ الَّذِي) مفعولٌ به، (عَطْفَ) مضاف و (الَّذِي) مضاف إليه، (لاَ يُغْنِي متْبُوعُه) يعني: لا يكتفي الكلام به، هكذا قدره بعضهم، وقيل: يعطف بها ما لا يستغنى به عن متبوعه وهذا أحسن، لذا قال: (لاَ يُغْنِي):

وَاغْنَ بِكِلْتَا .. وَبِسِوَى الْفَاعِلِ قَدْ يَغْنَى فَعَلْ ..

ابن مالك يستعمل هنا: يُغْنِي يَغْنِي غَنَى، يستعمله بمعنى الاستغناء، (الَّذِي لاَ يُغْنِي) يعني: ما لا يُستَغنَى به عن متبوعه، وهذا فيما إذا كان الفعل دالاً على المشاركة.

(كَاصْطَفَّ)، (اصْطَفَّ) أصله: (اصتفف) على وزن (افْتَعَل) كـ: (اجتمع) كـ: (اختصم) حينئذٍ نقول: ما كان على وزن افتعل فاعله اثنان، لكن في المعنى، الفاعل الاصطلاحي واحد له، والثاني لازمٌ له، لأنه لا يقول: اختصم زيد، كيف اختصم زيد .. اختصم مع من؟ خاصم زيدٌ خصمَ من؟ عمراً، إذاً: هذا الفعل المخاصمة والخصومة تقتضي اثنين، لا يمكن أن يتصور أنه يقع من واحد، إلا كما ذكرنا؟؟؟ إذا كان مريضاً، يخاصم نفسه ويختصم.

(كَاصْطَفَّ) أصله: (اصتفف) فأبدل من التاء طاءً وأدغمت الفاء في الفاء، فاصطفوا إذا وقفعوا في الحرب صفاً، (اصْطَفَّ هذَا وابْنِي) هذَا فاعل، وابْنِي: هذا معطوفٌ عليه، الواو حرف عطف، هل يمكن أن يؤتى بحرفٍ غير الواو في هذا المقام؟ الجواب: لا، لأن نسبة الحدث إلى الثاني كنسبته إلى الأول، يعني: وقعا معاً، حينئذٍ لا يمكن أن يؤتى بـ (الفاء) ولا بـ (ثم).

(وَاخْصُصْ بِهَا) يعني: اختصت الواو بأنه يعطف بها في الأفعال التي لا يتصور أن يستغني بواحدٍ عن متبوعه (كَاصْطَفَّ هَذَا وابْنِي).

(وَاخْصُصْ بِهَا) يعني: بالواو، (عَطْفَ الَّذِي لاَ يُغْنِي مَتْبُوعُهُ) وهذا فيما إذا دل الفعل على اشتراكٍ .. مشاركةٍ بين اثنين فصاعداً، حينئذٍ نعطف الثاني على الأول بالواو لا بـ (الفاء) ولا بـ (ثم)، وهذا من الأدلة في الرد على الكوفيين، بكون الواو تأتي للترتيب، وهذا الدليل محفوظ:

وَاخْصُصْ بِهَا عَطْفَ الَّذِي لاَ يُغْنِي ... مَتْبُوعُهُ ..

يعني: لا يكتفى الكلام به (كَاصْطَفَّ هَذَا) كقولك: (اصْطَفَّ هَذَا وابْنِي)، (ابْنِي) معطوفٌ على هَذَا، وكلٌ منهما وقعت منه المصافَّة، لأن الاصطفاف لا يقع من واحد، كيف تصف نفسك؟! ما يمكن هذا، وإنما يقع مع شخصٍ آخر وثالث ورابع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015