ورُدَّ بقوله تعالى: ((إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا)) [المؤمنون:37] هؤلاء المنكرون للبعث نَمُوتُ وَنَحْيَا، نَمُوتُ وَنَحْيَا لو كانت للترتيب: الحياة كائنةٌ بعد الموت، إذاً: أنكروا البعث أو أثبتوه؟ أثبتوه، وحكا الله تعالى قولهم بناءً على أنهم ينكرون البعث، إذاً: موتٌ ولا حياة، فلو كانت للترتيب حينئذٍ نموت ونحيا، نموت أولاً وبعد ذلك تقع الحياة وتحصل، إذاً: هذا إثباتٌ للبعث، ولذلك قال هنا: ورُدَّ بقوله تعالى، يعني: القول بأنها للترتيب رُدَّ بقوله: ((إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا)) [المؤمنون:37] إذ لو كانت الواو للترتيب لكان اعترافاً بالموت بعد الحياة.

فأجابوا تأويلاً لهذه الآية: بأن المراد -نموت ونحيا- المراد به: يموت كبارنا وتولد صغارنا فنحيا، هذا تأويل بعيد! ومن أوضح ما يرد عليهم قول العرب: اختصم زيدٌ وعمروٌ، اختصم على وزن: افتعل، وفاعله اثنان، لأنه يقتضي المشاركة افتعل وتفاعل، واتفقوا على أن الثاني في باب افتعل وتفاعل لا يعطف بـ (الفاء) و (ثُم) لأنهما للترتيب، هذا محل وفاقٍ بين البصريين والكوفيين: أن في باب اختصما، يُقال: اختصم زيدٌ وعمروٌ، إذ لا يقال: اختصم زيدٌ، لأن باب افتعل الذي يدل على المشاركة، وكذلك باب تفاعل: تشارك وتضارب وتقاتل، يقتضي أن يقع الفعل بين اثنين، تشارك زيد وعمرو .. تضارب زيد وعمرو.

هل يصح أن يُقال: تضارب زيدٌ فعمروٌ؟ لا يصح، لأن (الفاء) هنا للترتيب، هل يصح أن يُقال: تضارب زيدٌ ثم عمروٌ؟ لا يصح، لأنها للترتيب، إذاً: نُفي صحة قولنا: اختصم زيدٌ فعمروٌ، أو اختصم زيدٌ ثم عمروٌ، نُفي هذا التركيب لكون (الفاء) و (ثم) للترتيب، واتفقوا على أنه يُقال: اختصم زيدٌ وعمروٌ، فلو كانت للترتيب لما صح أن يؤتى بالواو هنا كما نُفي (ثم) و (الفاء)، واضح؟ نحن نرد على الكوفيين القائلين بأن (الواو) للترتيب، لماذا؟ نقول: نرد عليهم لأن قولهم فاسد، هذا قول ضعيف جداً، نرد عليهم بماذا؟ بما دل من الأفعال على المشاركة بين اثنين، في باب افتعل وتفاعل.

اتفق البصريون مع الكوفيين على أنه لا يؤتى بالعطف هنا بـ (الفاء) ولا (ثم) فلا يقال: تضارب زيدٌ فعمروٌ، لماذا لا يؤتى بالفاء؟ قالوا: لأنها تفيد الترتيب، والفعل يقتضي المشاركة بين اثنين، كيف تضارب زيدٌ فعمروٌ، أو تضارب زيدٌ ثم عمروٌ؟ هذه تدل على التعقيب والترتيب، إذاً: منعنا (الفاء) و (ثم) هنا في هذا التركيب، لأنهما يأتيان للترتيب.

وجَوَّزنا معاً في لسان العرب أن يُقال: اختصم زيدٌ وعمروٌ، هل يمكن أن يُقال: بأن الواو للترتيب؟ لا يمكن، لأننا منعنا (الفاء) و (ثم) لأجل الترتيب فكيف نقول: الواو للترتيب؟! هذا فاسد، ولذلك ابن هشام في قطر الندى قال: من أظهر ما يرد عليهم بهذه الأمثلة التي جاءت في لسان العرب في الأفعال التي تقتضي المشاركة بين اثنين، ثم عطف الثاني على الأول بالواو ولم يُجوَّز أن يعطف الثاني على الأول بـ (الفاء) و (ثم) لأنهما يقتضيان الترتيب.

حينئذٍ نقول: جاء في لسان العرب: اختصم زيدٌ وعمروٌ. ظ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015