وإذا كان المستكملين الشرفاء، جعلنا الشرفاء هذا نعتاً لآل، والمفعول به للمستكملين محذوف تقديره: المستكملين كل المجد، المستكملين باتباعه الشرف، المراد بالشرف: العلو والألف للإطلاق.
ثم قال:
وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ ... مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ
أَسْتعِينُ: السين هذه للطلب، يعني: أطلب العون عون الله تعالى
والعون أو طلب العون المراد به: المعاونة والمظاهرة، بأن يعينه الله عز وجل، وأن يسدده، وأن يمكنه، وأن يزيل العوائق والعلائق عن إتمام هذا النظم.
وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ: أستعين في ألفية، استعان وما تصرف منها في لسان العرب يتعدى بعلى: ((وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ)) [يوسف:18] .. ((وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ)) [الفرقان:4] أو بالباء: ((وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)) [البقرة:45] بالصبر، أليس كذلك؟ تعدى بماذا؟ بالباء، هنا تعدى بفي .. فالظاهر أن في بمعنى: على، حينئذٍ صار الحرف نائباً مناب حرفٍ آخر، وهذا مذهب مجوز عند بعضهم، فالظاهر أن: في، بمعنى: على، فإن الاستعانة وما تصرف منها إنما جاءت متعدية بعلى أو بفي، وهذا مذهب الكوفيين، فإنهم يضمنون الحرف لا يرون تضمين الفعل، بل يرون تضمين الحرف، فعندهم إما أن يقال: أستعين مضمن معنى فعل آخر، وإما أن نجعل في مضمناً معنى حرف آخر، إما هذا وإما هذا، أيهما أخف؟ عند الكوفيين تضمين الحرف أخف، ولذلك المذهب المرجح عندهم هو هذا، أنه يضمن الحرف.
أو يجعل أستعين مضمناً معنى فعل يتعدى بفي، وهو أستخير الله في ألفية، إذاً: أستعين الله مستخيراً في ألفية، يعني: في نظم أرجوزة ألفية، فإما أن يضمن الحرف وإما أن يضمن الفعل، الأول مذهب الكوفيين، والثاني مذهب البصريين، وأستعين الله، أي: أطلب العون مستخيراً، ورد الثاني في هذا الموضع بأن الاستخارة إنما تكون للمتردد قبل الشروع في الفعل.
والناظم هنا يقول: قال محمد هو ابن مالك، ثم يقول: وأستعين الله، هل أستخير، لا يتأتى هذا لا يتأتى أن يكون المراد هنا، أستعين مضمناً معنى أستخير، وإن كان مذهب البصريين هو تضمين الفعل، فهو أولى عندهم من تضمين الحرف؛ لأن التضمين أكثر فائدة، ولذلك هنا نقدره: أستعين مستخيراً، زاد معنى الاستخارة، والأولى أن يجعل: في، بمعنى: على، أستعين الله على ألفية.
وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ: الاستعانة إنما تكون على الفعل، والألفية هذه ألفاظ، فهل يستعين الله تعالى على نفس الألفاظ، أم يستعين الله على فعل يفعله هو بنفسه؟ لا شك أنه الثاني، ولذلك قدر الشراح: وأستعين الله في نظم قصيدة أو أرجوزة على قولين، وأستعين الله في نظم أرجوزة فنقدر نظم؛ لأن الأفعال إنما تكون على الفعل، وأرجوزة: للإشارة إلى موصوف الألفية قبل العلمية، وإلى أنها كلها من الرجز، ولا نقدر قصيدة؛ لأن القصيدة ما بني على حرف واحد بخلاف الأرجوزة فإنها من بحر الرجز:
مستفعلٌ مستفعلٌ مستفعلٌ ... هذا الشطر الأول.
مستفعلٌ مستفعلٌ مستفعلٌ ... هذا الشطر الثاني.