(كَذَا الحُرُوفُ غيْرَ) منصوبٌ على الاستثناء أو بالرفع نعت لحروف، غيْرَ: مضاف، وما: اسم موصول بمعنى: الذي مضافٌ إليه، (مَا تَحَصَّلاَ) الألف للإطلاق، تَحَصَّلاَ يعني: حصل، (تَفَعَّلَ) قصد به أصل الفعل ليس عندنا تفعُّل، إنما المراد به الحصول، وهذا لعله من أجل النظم، ما حصلَ به (جَوَابٌ)، جَوَابٌ هذا فاعل تَحَصَّلاَ، وذلك (كَنَعَمْ) هل جاء زيد؟ نعم، أليس زيدٌ قادماً؟ بلى، (كَنَعَمْ وَكَبَلى) وأجل، وجيري، وإي، ولا.
نعم: حرف تَصْدِيق للمُخْبِرِ وإعلامٍ للمُسْتَخبِرِ، ووعدٌ للطالب، وبمعنى نعم: جيري، وأجل، وأي، كما في المغني، وأمَّا: بلى، فلا تقع باطرادٍ إلا بعد النفي مجرداً، نحو: ((زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي)) [التغابن:7] أو مقروناً باستفهامٍ حقيقي: أليس زيدٌ بقائم؟ نقول: بلى، أو توبيخِي: ((أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى)) [الزخرف:80] هذا استفهام توبيخي، أو تقريري: ((أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى)) [الأعراف:172].
على كلٍ: المراد هنا بهذين المثالين: (كَنَعَمْ وَكَبَلى) أدخل الكاف على: كَبَلى لماذا؟ لأنها في الغالب تقع في جواب نفيٍ، ونعم لا، لا تختص بالنفي.
قال الشارح هنا: " كذلك"، أي: كذلك، إذا أريد توكيد الحرف الذي ليس للجواب، حينئذٍ وجب فيه أمران: يجب أن يُعاد مع الحرف المؤكِّد ما اتصل بالمؤكَّد، نحو: إنَّ زيداً إنَّ زيداً قائم، ولا بد من الفصل بين الحرفين باسم إنَّ، وأمَّا إذا أعيدت إنَّ لوحدها حكموا عليها بأنها شاذ، مع أن القياس يقتضي هذا:
إِنَّ إِنَّ الكَرِيمَ يَحْلُمُ مَا لَمْ ... ... يَرَيَنْ مَنْ أَجَارَهُ قَدْ ضِيمَا
(إِنَّ إِنَّ الكَرِيمَ) قالوا: هذا شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه، لماذا؟ لأنه لا بد أن يُعاد مدخولها معها هذا الأصل، مثل الحرف، الذي هو حرف الجر ونحوه، مثل الذي دخل على الضمير المتصل، إنَّ إنَّ زيدٌ قائمٌ يعاد هو أو ضميره إن كان ظاهراً، والأولى: إنَّه قائمٌ لأنه الأصل، لماذا لأنه الأصل؟ لأن الاسم الظاهر إذا أعيد حينئذٍ نأتي بضميره، فإذا جئنا باسمه كما هو حينئذٍ أقمنا الظاهر مقام الضمير، هذا خروجٌ عن مقتضى الظاهر، فلذلك كان الأصل أن يؤتى بالضمير: إنَّ زيداً إنَّه قائمٌ، وهذا أولى كما ذكرنا. وإنما كان إعادة ضمير المؤكَّد أولى من إعادة لفظه لأمرين:
الأول: أنه يلزم على إعادة لفظه: إنَّ زيداً إنَّ زيداً قائمٌ، التكرار لفظاً، وليس مما يَحسن لغير موجب، لا بد من موجب يقتضي التكرار، وهنا ليس الموجب بظاهر.