لو قيل بأن: ((أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى)) [القيامة:34] مثل: جاء زيدٌ وعمروٌ، وجاء زيدٌ وذهب عمروٌ، هذا من باب العطف في المفردات والجمل، إذاً: يقتضي أن الثاني منسوقاً على الأول، وهو من باب عطف النسق، ونحن حديثنا في التوكيد الذي يفيد التقوية، قام زيدٌ وخرج عمروٌ، ليس فيه تقوية، هذا عطف بالواو، حينئذٍ: ((أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى)) [القيامة:34] ((كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ)) [النبأ: 4 - 5] نقول: لو جعل من باب العطف لخرج عن باب التوكيد، فلا يفيد تقويةً.
إذاً: هذا يؤكد أن هذا الحرف إنما جيء به لمجرد الربط الصوري فحسب، وأمَّا المعنى فلا. ويجب ترك العاطف عند الإبهام للتعدد، لو قال: ضربت زيداً ضربت زيداً، الثانية توكيدٌ للأولى، لو عطف: ضربت زيداً ثُم ضربت زيداً، يوهم أنه ضربه مرة ثانية، إذاً: فيه إيهام بالعطف فيجب الترك، ضربت زيداً ضربت زيداً، فإذا قلت: ضربت زيداً ثم ضربت زيداً، وقع إيهامٌ وهو أن الضرب مكررٌ.
هنا مثل ابن عقيل بقوله تعالى: ((كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً)) [الفجر: 21 - 22] هاتان الآيتان أكثر النحاة على أنهما من قبيل التوكيد، وليس الأمر كذلك، بل ((دَكّاً دَكّاً)) [الفجر:21] دَكّاً الأول حال، والثاني معطوفٌ عليه بحذف العاطف، دَكّاً فدكاً، لأن المراد دَكّاً بعد دكٍّ .. صفاً بعد صفٍ، هذا المراد، فالمراد به ما ذكرناه، وأمَّا أنها توكيد فلا.
((كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً)) [الفجر:21] نقول: هذا ليس من التأكيد في شيء، لأن معناه: دَكّاً بعد دكٍّ، وأن الدك كرر عليها حتى صارت هباءً منثوراً، فالمراد به: ((دَكّاً دَكّاً)) [الفجر:21] يعني: تكرار الدك، وصفاً صفاً، ليس المراد صفاً واحداً لا، صفاً بعد صف، إذاً: كلٌ سابق عن الآخر.
وكذلك: ((وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً)) [الفجر:22] ليس من التوكيد، إذ المعنى: أنه تنزل ملائكة كل سماء فيصطفون صفاً بعد صفٍ، محدِقين بالخلق، فليس الثاني في الآيتين تأكيداً للأول، بل المراد التكرار، كما يُقال: علمته الحساب باباً باباً، فالثاني معطوف على الأول بحذف حرف العطف، وبعضهم إذا جعله حال يجعله في قوة: مُبَوَّباً، كما في قوله: ادخلوا الأول فالأول، لكن صُرِّحَ هنا بالعطف، إذاً: باباً بعد باب ليس من التوكيد للجملة.
وكذلك قول المؤذن: الله أكبر الله أكبر، الثانية .. الله أكبر: مبتدأ وخبر، الثانية: مبتدأ وخبر، هنا لم يعطف بينهما، هل هو من باب التوكيد؟ نقول: لا، بل المراد به: إنشاء تكبيرٍ ثانٍ، بخلاف: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، فالثاني المراد به الإخبار فهو في قوة التوكيد للسابق.
ولاَ تُعِدْ لَفْظَ ضَمِيرٍ مُتَّصِلْ ... إِلاَّ مَعَ اللَّفْظِ الَّذِي بهِ وُصِلْ