قال بعضهم: أتاكِ أتاكِ اللاحقون، الفعلان تنازعا في "اللاحقون" على أنه فاعلٌ لهما. نقول: أتاكِ أتاكِ، على أن الفعلين تنازعا اللاحقون، نقول: هذا فاسد، لماذا؟ لأنه لو أُعْمِلَ الثاني وجب باتفاق البصريين والكوفيين الإضمار في الأول، فيقول: أتوكِ أتاكِ اللاحقون، هذا إذا أعمَلَ الثاني، وإذا أعمَلَ الأول أتاكِ أتوكِ اللاحقون لكنه لم يضمر، فدل على أن اللاحقون فاعلٌ للأول والثاني توكيدٌ له ولا فاعل له، وقال بعضهم: أتاكِ أتاكِ اللاحقون، اللاحقون: هذا فاعلٌ للفعلين معاً، وهذا أفسد، لماذا؟ لأن الشيء الواحد لا يكون فاعلاً لاثنين، ولو كانا متحدين اللفظ والمعنى، بل كل فعلٍ يقتضي فاعلاً مختصاً به، هذا هو الأصل.
إذاً الصواب نقول: أَتَاَكَ أَتَاكِ اللاَّحِقُونَ، أتاكِ الأول فعل ماضي، والكاف مفعولٌ به، واللاحقون: فاعله، أتاكِ الثاني: توكيد، الحاصل أن هذا من مقام توكيد الفعل بالفعل.
احْبِسِ احْبِسِ: هذا ظاهره أنه من توكيد الجملة، لأنك تقول: قام زيدٌ قام زيدٌ قام زيدٌ، تؤكِّد والتوكيد أقصى ما يكون ثلاثة، قام زيدٌ قام زيدٌ قام زيدٌ، وهذا الذي عللنا به فيما سبق: أن التوكيد قائمٌ مقام تكرير جملتين أو ثلاثة، إذا زيد حرفٌ في الجملة قلنا: هذا يؤكِّد، يعتبر من المؤكِّدات، وإذا كان من المؤكِّدات معناه: أنه أُقِيمَ مُقَام جملتين فأكثر، هذا المراد بالتوكيد، أليس التوكيد هو التقوية؟
إذا أردنا تقوية قام زيدٌ قام زيدٌ، أو: زيدٌ قائمٌ زيدٌ قائمٌ زيدٌ قائمٌ، قال بعض أهل البيان: أنه إذا قيل: إن زيداً قائمٌ، هذا في قوة قولك: زيدٌ قائمٌ زيدٌ قائمٌ زيدٌ قائمٌ، فحذفت زيدٌ قائمٌ الثانية وزيدٌ قائمٌ الثالثة، وعوضت عنها: إنَّ، ولذلك نقول: إنَّ مؤكدةٌ للنسبة، نسبة مضمون الخبر إلى المبتدأ .. الاسم، ما المراد بهذه النسبة؟ النسبة هذه لا تكون في اسمٍ، ولا تكون في خبرٍ، وإنما تكون بين اسمين: وهو ما يقتضيه تركيب الكلام.
الحاصل: أن احْبِسِ احْبِسِ، نقول: هذه الجملة الثانية مؤكدة للجملة الأولى.
قوله: هو إعادة اللفظ الأول بعينه، هذا فيه قصور، لماذا؟ لأنه قد يُعاد اللفظ الأول بمعناه، ويكون مؤكداً له، ولذلك جوزوا بعامة أن يُقال: نعم نعم، هذا في توكيد الحرف، نسينا أن نذكره!
يؤكَّد الحرف: زيدٌ قام .. قام زيد؟ نعم نعم، تعيد نعم الثانية توكيداً للأولى، ويصح أن يُقال: نعم جيري! وجيري بمعنى: نعم، هنا حصل توكيدٌ بين اللفظين، لكن أعيد الأول مرةً ثانية لكن بمعناه لا بلفظه، هذا يسمى توكيداً لفظياً، على هذا الحد المشهور عند النحاة، وهذا يُعرِّف به ابن هشام كثير في كتبه: إعادة اللفظ الأول بعينه لا يشمل ما كان معاداً بمرادفه، ولذلك عَرَّفه في التسهيل: بأنه هو إعادة اللفظ أو تقويته بموافقه معنىً، هذا أجمع، إعادة اللفظ أو تقويته بموافقه معنىً .. بما وافقه في المعنى، حينئذٍ يشمل ما ذكرناه، فله صورتان: