وَإِنْ يُفِدْ تَوْكِيدُ مَنْكُورٍ قُبِلْ ... وَعَنْ نُحَاةِ البَصْرَةِ الْمَنْعُ شَمِلْ
مذهب الكوفيين واختاره المصنف وصححه ابن هشام في التوضيح: جواز توكيد النكرة المحدودة لحصول الفائدة بذلك، والأمثلة التي ذكرناها واضحة.
(وَعَنْ نُحَاةِ البَصْرَةِ الْمَنْعُ شَمِلْ) قلنا: الْمَنْعُ مبتدأ، وشَمِلْ هذا الجملة خبر، وَعَنْ نُحَاةِ متعلق به.
وقوله: (شَمِلْ) أي: عم، الشمول المراد به العموم، المفيد وغير المفيد، ولا يجوز على القولين: صمت زمناً كله، على القولين لا يجوز هذا، ولا شهراً نفسه، لماذا؟ هل يؤكَّد بالنفس والعين ما يحتمل عدم الشمول؟ قلنا: يوماً يحتمل بعضه، مثل: جاء القوم كلهم، جاء القوم .. القوم يحتمل من إطلاق العام وإرادة الخاص، يوم يحتمل من إطلاق الكل مراداً به الجزء.
هذا التعليل يستلزم ألا يؤكَّد النكرة المحدودة إلا بما يستعمل في الشمول وهو كل وما عطف عليه، إذاً يقال من الشروط التي يصح فيها توكيد النكرة: أن تكون النكرة محدودة، وأن يكون المؤكِّد مما يؤكد به الشمول وَكُلاًّ اذْكُرْ فِي الشُّمُولِ وأما نفسه: صمت شهراً نفسه، ما يصح هذا؛ لأنه لو احتمل شهر أنه دون الشهر رفع الاحتمال لا يكون بنفس، وإنما يكون بكل وهو دال على الشمول، فلا بد أن يكون من ألفاظ الإحاطة ككل وجمع وما عطف عليه.
وَاغْنَ بِكِلْتَا فِي مُثَنًّى وَكِلاَ ... عَنْ وَزْنِ فَعْلاَءَ وَوَزْنِ أَفْعَلاَ
(وَاغْنَ) يعني: استغن، استغن بكلتا عن وزن فعلاء، يعني لا تثنِ فعلاء تقول: فعلاوان؛ لوجود كلتا.
وَوَزْنِ أَفْعَلاَ: أجمعا، فلا يقال: جمعاوان؛ لوجود كلا، إذاً لا يثنى أجمع فيقال: جمعاوان، وكذلك لا يقال: أجمعان ولا يقال: جمعاوان؛ للاستغناء بكلا وكلتا، بدلاً أن تثني جمعاوان ائت بكلتاهما، وبدلاً من أن تثني أجمع فتقول: أجمعان ائت بكلا.
إذاً يستغنى عن تثنية وزن فعلاء ووزن أفعلا بكلتا وكلا، هذا مراده، وهذا نصصنا عليه فيما سبق.
(وَاغْنَ): أي: استغن.
(بِكِلْتَا) جار ومجرور متعلق بقوله: اغْنَ، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت.
(في مُثَنًّى) ما المراد بالمثنى هنا .. اصطلاحاً أو لغةً؟ لغةً، يعني ما دل على اثنين وإن لم يسم في الاصطلاح مثنى، ليدخل نحو: جاء زيد وعمرو كلاهما، وهند ودعد كلتاهما، (وَكِلاَ) معطوف على قوله: كِلْتَا، (عَنْ وَزْنِ فَعْلاَءَ) .. عن وزن فعلاء، أو عن تثنية وزن فعلاء؟ الثاني، إذاً يجب تقدير مضاف هنا .. على تقدير مضاف؛ لأن نفس وزن فعلاء لا يصلح للمثنى حتى يستغنى فيه عنه بغيره.
(عَنْ وَزْنِ فَعْلاَءَ وَوَزْنِ أَفْعَلاَ) كما استغني بتثنية سي عن تثنية سواء، فلا يقال: سواءان؛ لوجود سيان، سي ثم ألف ونون، إذاً هذه تثنية سي، فيستغنى عن تثنية سواء فلا يقال: سواءان لوجود سيان، كذلك لا يقال: جمعاوان ولا أجمعان لوجود كلا وكلتا، وأجاز ذلك الكوفيون والأخفش، معترفين بعدم السماع والحمد لله.
أجازوه معترفين .. حالة كونهم معترفين بعدم السماع، لم يسمع، فإذا كان لم يسمع حينئذٍ نقول: الأصل التوقيف لأنه لفظ مسموع كما هو.