وقال في التوضيح: إلا أخرى، قول ابن مالك هنا: (مِثْلَ النَّافِلَهْ) يقول: ليس المراد بأنه زائدة على ما سبق لا، مراده أن تاءها مثل تاء النافلة أنها تستعمل مع المؤنث والمذكر، جاء القوم عامتهم، جاءت الهندات عامتهن، بقيت التاء كما أن النافلة تبقى.
قال في التوضيح: والتاء فيها بمنزلتها في النافلة، التاء في عامة بمنزلة التاء في النافلة، فتصلح مع المؤنث والمذكر، والمقصود من التشبيه أن التاء في عامة مثل التاء في نافلة، يؤتى بها مع المذكر ومع المؤنث، وليس ذكره استدراكاً على النحاة.
على كلٍّ هذا أو ذاك نقول: ذكر سيبويه عامة من ألفاظ التوكيد. اعتبار اللفظ عامة بمعنى جميع، ومجيئه توكيداً هو مذهب سيبويه.
قال الشارح هنا: أي: استعمل العرب للدلالة على الشمول ككل عامة -لفظ عامة-، وإنما لم يصرح الناظم هنا بلفظ عامة، لماذا؟ لأنها ما يمكن أن يأتي به إلا بحذف الألف: عم عامة الأول من المدغمين ساكن والألف ساكنة، ولا يجتمع ساكنان عند العرضيين أبداً، لا بد حرف متحرك وساكن، أو متحركان، أما ساكن فساكن فلا، فلذلك لم يأت به وإنما جاء به على وزن فاعله.
ولم يقل عامة مع أنه أخصر؛ لأن فيه اجتماع ساكنين وهو غير جائز في النظم، عاممة هذا الأصل، أريد إدغام المثلين فسلب الحركة من الأول الميم ثم أدغمت الميم في الميم. إذاً استعمل العرب للدلالة على الشمول ككل عامة مضافاً إلى ضمير المؤكد نحو: جاء القوم عامتهم والقبيلة عامتها، والزيدون عامتهم والهندات عامتهن، مثل كلهن وإلى آخره.
وقل من عدها من النحويين في ألفاظ التوكيد وقد عدها سيبويه ويكفي، وإنما قال: مِثْلَ النَّافِلَهْ بالنصب لأن عدها من ألفاظ التوكيد يشبه النافلة أي: الزيادة؛ لأن أكثر النحويين لم يذكرها.
وخالف المبرد في عامة وقال: إنما هي بمعنى أكثرهم، جاء القوم عامتهم أي أكثرهم، فيكون من باب التخصيص، عكس ما أراده الناظم، إذا قيل: جاء القوم عامتهم، إذا كانت للشمول أفادت نفي التخصيص، احتمال التخصيص منفي، فحينئذٍ تأكيد للشمول، وعلى مذهب المبرد جاء القوم عامتهم يكون تخصيصاً بعد تعميم، جاء القوم كلهم، ثم قال: عامتهم، يعني: أكثرهم، مثل قوله: ((وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ)) [آل عمران:97]. ولذلك يعرب عامتهم بمعنى أكثرهم بدل بعض من كل، فيعد من المخصصات.
عرفتم الفرق بين المذهبين؟ مذهب سيبويه والذي اختاره الناظم هنا: أن عامة ترفع احتمال الخصوص، جاء القوم عامتهم، يعني: جميعهم تأكيد، فرفع احتمال الخصوص، بعض القوم عامتهم رفع الاحتمال.
وعلى مذهب المبرد أن عامتهم بمعنى أكثرهم، صار تخصيصاً بعد تعميم، فهو من بدل البعض من الكل، وخالف المبرد في عامة وقال: إنما هي بمعنى أكثرهم، فتكون بدل بعض من كل، جاء القوم عامتهم أي: أكثرهم.
إذاً (وَاسْتَعْمَلُوا) أي: العرب أيضاً فاعله من عم ككل، يعني: في حال الدلالة على الشمول، (فِي التَّوْكِيدِ) هذا متعلق بقوله: استعملوا ولا حاجة إليه، (مِثْلَ النَّافِلَهْ) هذا حال من فاعله، فاعله حال كونها مثل النافلة، الزيادة على ما ذكره النحاة.