وجهان للنحاة: الناظم هنا قال: (مِمَّنْ أَنْتَ خَيْرٌ) قدمه على الجملة كلها، والأشموني انتقده، قال: مقدماً على أفعل التفضيل لا على جملة الكلام كما فعل المصنف؛ إذ يلزم -على تمثيله- الفصل بين العامل ومعموله بأجنبي، ولا قائل به؛ لأن المبتدأ ليس من معمولات الخبر (وَإِنْ تَكُنْ بِتِلْوِ مِنْ مُسْتَفْهِمَا) تكن أنت، الذي هو اسم تكن.
(مُسْتَفْهِمَاً) هذا خبر تَكُنْ.
و (بِتِلْوِ مِنْ) جار ومجرور متعلق بقوله: مُسْتَفْهِمَا، بِتِلْوِ الباء هذه للاستعانة، أو للسببية، والثاني أظهر، وتلو الشيء: الذي يتلوه ويتبعه أي: يجب تقديم (من) ومجرورها على أفعل التفضيل، إن كان المجرور استفهاماً (مُسْتَفْهِمَا) يعني: اسم استفهام، نحو: أنت ممن أفضل؟ أو مضاف إلى استفهام نحو: أنت مِن غلام مَن أفضلُ؟ هذا مثلما سبق أول في باب ظن .. المعلقات هناك، الاستفهام هو نفسه أو أن يضاف نكرة إلى اسم استفهام، فيأخذ حكمه لو قيل: غلام من؟ نقول: هذا له صدارة الكلام؛ لأنه أضيف إلى اسم استفهام، سواء كان اسم استفهام بعينه .. بنفسه، أو كان مضافاً إلى اسم استفهام فيكون لهما الصدارة في الكلام.
إذاً: أنت خير ممن؟ أنت خير من غلام من؟ كلاهما يجب التقديم على أفعل التفضيل.
(فَلَهُمَا) الفاء واقعة في جواب الشرط، (لَهُمَا) أي: لـ (من) ومجرورها المستفهم عنه فالضمير عائد لهما، الضمير لَهُمَا عائد إلى (من) ومجرورها.
إذاً الضمير في لَهُمَا عائد على (من) ومجرورها، فأما (من) فقد لفظ به: (وَإِنْ تَكُنْ بِتِلْوِ مِنْ) لفظ به، وأما مجرورها ما لفظ به، لم يلفظ بمجرورها، لكنه مأخوذ من مُسْتَفْهِمَاً، مستفهم اسم فاعل أنت، مُسْتَفْهِمَاً وصف لك لا للمجرور، لكن عرفنا أن المجرور اسم استفهام من قوله: مُسْتَفْهِمَاً؛ لأن الاستفهام إنما يكون باسم استفهام، إذاً لم يصرح بالمجرور وإنما هو مأخوذ من قوله: مُسْتَفْهِمَاً.
وأما مجرورها فمفهوماً من قوله: مُسْتَفْهِمَاً، أو يرجع الضمير إلى (تِلْوِ مِنْ) المضاف والمضاف إليه، يعني يحتمل أنه راجع إلى تِلْوِ مِنْ مع الاستفهام، وإما أنه راجع إلى مُسْتَفْهِمَاً من حيث المعنى، وهذا أحسن.
(فَلَهُمَا كُنْ أَبَداً) كن أنت.
(مُقَدَّمَا) هذا خبر كُنْ، وأَبَداً منصوب على الظرفية، واسم كُنْ ضمير مستتر تقديره أنت وجوباً؛ لأن الاستفهام له صدر الكلام.
(كَمِثْلِ مِمَّنْ أَنْتَ خَيْرٌ)، (مِمَّنْ) (مِنْ) حرف جر، ومَنْ هذا اسم استفهام، وأَنْتَ مبتدأ وخَيْرٌ خبر.
وأصل التركيب: أَنْتَ خَيْرٌ مِمَّنْ، فقدم الجار والمجرور لأن المجرور مستفهم به، فهو اسم استفهام وله حق الصدارة في الكلام.
وعقب عليه الأشموني بأنه لا يتقدم على المبتدأ، وإنما يتقدم على أفعل التفضيل فقط، لماذا؟ لأنك إذا قلت: مِمَّنْ أَنْتَ خَيْرٌ، ممن هذا معمول، وخيرٌ عامله، وأنت هذا فاصل بين المعمول وعامله، هل هو أجنبي أم لا؟ أجنبي، لا شك أنه أجنبي، ولا يجوز الفصل بين المعمول وعامله بأجنبي، ولذلك قال: الأصوب أن يقال: أَنْتَ مِمَّنْ خَيْر؟ لكن يرد الإشكال أنه لم يتقدم على الجملة، فالمسألة محل نظر.