فإن لم يقصد التفضيل تعينت المطابقة، إذاً: إذا قصد التفضيل بأن كان أفعل التفضيل على بابه جاز الوجهان، فإن خرج عن بابه فالحكم يختلف.
فإن لم يقصد التفضيل تعينت المطابقة، كقولهم: (النَّاقِصُ وَالأَشَجُّ أَعْدَلاَ بَنِي مَرْوَانَ) أي: عادلا بني مروان، ونحو: محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- أفضلُ قريشٍ، قريشٍ هذا نكرة أو معرفة؟ معرفة، علم .. قبيلة.
محمد أفضلُ قريشٍ أي: أفضل الناس من بين قريش، والإضافة هنا لمجرد التخصيص للموصوف، ليس المقصود بها المفاضلة بين زيد وعمرو لا، المقصود بها التخصيص للموصوف بأنه من القوم الفلاني لا لبيان المفضل عليه.
وإلى ما ذكرناه من قصد التفضيل وعدم قصده أشار المصنف بقوله: هَذَا إِذَا نَوَيْتَ مَعْنَى مِنْ .. أي: جواز الوجهين: المطابقة وعدمها، مشروط بما إذا نوي بالإضافة معنى من أي: إذا نوي التفضيل وأما إذا لم ينو ذلك فيلزم أن يكون طبق ما اقترن به، ومما مثلوا به على أنه لم يقصد به التفضيل قول القائل:
إِنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا ... بَيْتاً دعائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ
يعني عزيزة وطويلة، وهل ينقاس ذلك أم لا؟ هل يخرج أفعل التفضيل عن بابه إذا لم يقصد معنى من وأضيف إلى المعرفة .. هل ينقاس أم لا؟ فيه خلاف بين النحاة.
قال المبرد: ينقاسُ، وقال غيره: لا ينقاس وهو الصحيح.
وذكر صاحب الواضح أن النحويين لا يرون ذلك وأن أبا عبيدة قال في قوله تعالى: ((وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)) [الروم:27] أنه بمعنى هيِّن، -ليس كذلك-، وفي بيت الفرزدق -وهو الثاني-: إن المعنى عزيزة طويلة، وإن النحويين ردوا على أبي عبيدة ذلك وقالوا: لا حجة في ذلك الأمر.
إذاً: ليس قياساً، وإنما هو سماعي، فما سمع في لسان العرب فالأصل بقاؤه على ما كان.
إذاً:
وَتِلْوُ أَلْ طِبْقٌ وَمَا لِمَعْرِفَهْ
هَذَا إِذَا نَوَيْتَ مَعْنَى مِنْ وَإِنْ ... أُضِيفَ ذُو وَجْهَيْنِ عَنْ ذِيْ مَعْرِفَهْ
لَمْ تَنْوِ فَهْوَ طِبْقُ مَا بِهِ قُرِنْ
(إِذَا نَوَيْتَ مَعْنَى مِنْ) قلنا مَعْنَى مِنْ المراد به الحاصل من التركيب.
(وَإِنْ لَمْ تَنْوِ) يعني: بأفعل مَعْنَى مِنْ .. لم تقصد المفاضلة أصلاً، أو نويتها لا على المضاف إليه وحده بل عليه وعلى كل ما سواه، حينئذٍ لم تكن مفاضلة، إذا خصصت واحداً على كل من سواه لم تكن ثم مفاضلة.
(وَإِنْ لَمْ تَنْوِ فَهْوَ طِبْقُ مَا بِهِ قُرِنْ) يعني: مطابق لما قرن به، وما هو الذي قرن به أفعل التفضيل؟ ما جعل أفعل التفضيل وصفاً له، يعني مطابقاً للموصوف لسابقه؛ لأنه يقع نعتاً ويقع غير ذلك.
إذاً: نقول الحال الثاني لأفعل التفضيل: أن يكون بأل، أشار إليه بقوله: (وَتِلْوُ أَلْ طِبْقٌ).
الحال الثاني لأفعل التفضيل: أن يكون بأل، فيجب له حكمان:
الأول: أن يكون مطابقاً لموصوفه.
والثاني: ألا يؤتى معه بمن، وأن يكون مطابقاً لموصوفه.