إذاً: عرفنا الحكم الأول وهو: أن أفْعَلَ التَّفْضِيْل إذا كان مجرداً من أل والإضافة وجب أن يؤتى بعده بـ (من) جارة للمفضول، وقد يحذفان.
ومن ثم اختلف النحاة في مسألة هنا: إذا حذفا الجار والمجرور، هل أفْعَلَ التَّفْضِيْل باقٍ على بابه، أم أنه خرج عن الباب؟ بمعنى: أنه لا يدل على المفاضلة، إذا قيل: أفْعَلَ التَّفْضِيْل على بابه، يعني المشاركة والزيادة .. دلَّ على المشاركة والزيادة وإذا لم يكن على الباب حينئذٍ نقول: خرج عن بابه، وعندنا مثال مشهور نأتي به دائماً وهو: ((أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا)) [الفرقان:24].
((أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ)) [الفرقان:24] خيرٌ ممن؟ من أصحاب النار، إذا قلنا على بابها، معناه: أن النار فيها خير، والجنة فيها خير، إلا أن الزيادة –الوصف- في الجنة أكثر من زيادتها في النار، لو قلنا على بابها، ((وَأَحْسَنُ مَقِيلاً)) [الفرقان:24] أَحْسَنُ إذاً النار فيها مقيل، وهو حسن ممدوح، ولكن مقيل الجنة أَحْسَن .. أكثر حسناً، نقول: لا. ليست على بابها، سُلبت المعنى، المراد الوصف فحسب دون مفضل، ليس عندنا مفضل ولا مفضل عليه. إذا حذف هل تبقى على بابها مطلقاً أم أنها تخرج عن الباب؟ ومن ثم اختلف النحاة عند حذف (من) ومجرورها، وهو المفضل عليه في صيغة أفْعَلَ التَّفْضِيْل حينئذٍ، هل تكون دالة على التفضيل أم خلت أفعل عن هذه الدلالة، يعني سلبت المفاضلة والتفضيل؟
فذهب الكسائي والفراء ووافقهما الرضي، إلى أن هذه الصيغة لا تخلو قط من الدلالة على التفضيل .. دائماً للتفضيل، فإنك إذا ذكرت أفعل من، يعني جئت بـ (من) ذكرتها فدلالتها على التفضيل ظاهرة لا إشكال فيه، إذا قلت: زيدٌ أكرمُ من عمروٍ، بعض النحاة يختصر يقول: أفعلُ من -انتبه لا تقل خطأ في النسخة-، يقول: إذا كانت (أفعَل) (أفعَلَ من) يريد بها أنه ذُكرت (من) مع المجرور.
فإنك إذا ذكرت (أفعلَ من) فدلالتها على التفضيل ظاهرة .. واضح بين، وإن أضيفت فإن المضاف إليه هو المفضل عليه، زيدٌ أفضل رجلٍ المضاف إليه هو المفضل عليه، وإن اقترنت بأل، فإن أل هذه عوضٌ من المضاف إليه، ماذا بقي؟ إذا ذُكرت (من) (أفعلُ من)، فالمفضل عليه واضح، زيدٌ أكرمُ من عمروٍ، عمروٍ مفضل عليه، وإذا دخلت أل فأل قائمة مقام المفضل عليه، زيدٌ الأفضلُ، كأنه قال: زيدٌ أفضلُ الناس مثلاً.
وإذا أضيف فالمضاف إليه هو المفضل عليه، ماذا بقي؟ بقي إِنْ جُرِّدَت.
وإن لم تضف ولم تقترن بأل، ولم يذكر معها (من) جارة للمفضول؛ كان الكلام على أحد تقديرين، يعني لا بد من ردها إلى أصلها:
الأول: تقدير (من) ومجرورها.
إما أن نقدر (من) مع مجرورها.
والثاني: تقدير الصيغة مضافة، وقد حذف المضاف إليه وهو منوي الثبوت.