(حَبَّ بالزَّوْرِ) أصله: الزَّوْرُ، حُبَّ، قلنا: (حُبَّ) هذه داخلة فيه، ولذلك أصله: حَبُبَ، على اللغة الثالثة: حُبَّ، نُقِلَت الضَّمَّة إلى حركة العين إلى الفاء، قيل: (حُبَّ بالزَّوْرِ) الباء هذه زائدة و (الزَّوْرِ) هذا فاعل مرفوعٌ تقديراً، والباء هذه زائدة (حُبَّ بالزَّوْرِ).
وكذلك الاستغناء عن (أل) تقول: فَهُمَ زيدٌ .. والزيدون كَرُمُوا رجالاً، صار ضميراً مستتراً، لِمَا فيها من معنى التَّعجُب، إذن: يَجوز في فاعل (فَعُلَ) الجَرُّ بالباء، والاستغناء عن (أل) .. لا يشترط فيه (أل)، وإضْمَاره على وفق ما قبله: الزَيْدون كرُمُوا رجالاً (كرُمُوا) الواو فاعل، وهنا أضْمِرَ الفاعل، يعني: أُبْرِز، صار ضَميراً بارزاً باعتبار ما بعده، هذا شاذ هناك، قلنا: في باب (نِعْمَ) يُحفظ ولا يُقاس عليه، وإن حكاه الكِسَائي.
وَمِثْلُ نِعْمَ حَبَّذَا الْفَاعِلُ ذَا ... وَإِنْ تُرِدْ ذَمَّاً فَقُلْ: لاَ حَبَّذَا
وَأَولِ ذَا المَخْصُوصَ أَيَّاً كَانَ لاَ ... تَعْدِلْ بِذَا فَهْوَ يُضَاهِي المَثَلاَ
وَمَا سِوَى ذَا ارْفَعْ بِحَبَّ أَوْ فَجُرْ ... بِالبَا وَدُونَ ذَا انْضِمَامُ الحَا كَثُرْ
هذا ما جَرَى على نَمط (نِعْمَ وبِئْسَ) يعني: حَبَّذا، ومثل (نِعْمَ) في المعنى لا في الحكم مُطلقاً: حَبَّ، من قولك: حَبَّذا، حَبَّ فقط، وأمَّا (ذَا) فهو فاعل، وقد نَصَّ عليه (الفَاعِلُ ذَا).
(وَمِثْلُ نِعْمَ حَبَّذَا) حَبَّ من حَبَّذا، فهي لإنشاء المدح العام، كما أنَّ (نِعْمَ) لإنشاء المدح العام فهي مثلها:
- وفي الفعلية على الأصح .. هي فِعْلٌ (الفَاعِلُ ذَا).
- والمُضيِّ.
- والنقل إلى الإنشاء.
- والجمود.
فهذه اجتمع فيها (حَبَّ ونِعْمَ): كلٌ منهما لإنشاء المدح العام، وكلٌ منهما فعلٌ على الأصح فيهما، والمُضي .. الدلالة على الماضي، والنقل إلى الإنشاء كانا خبرين، والجمود كلٌ منهما جامد غير مُتصرِّف .. فِعْلاَنِ غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ.
وتُفارقها .. تُفارِق (حَبَّ) (نِعْمَ) في:
- أنها لا يجوز في لفظها إلا هيئةٌ واحدة.
- وفي جواز دخول (لا) عليها: لا حَبَّذا، لا يُقال: لا نِعْمَ، لا يَجوز، يَجوز دخول (لا) النافية على حَبَّ، ولا يجوز دخولها على (نِعْمَ).
- ودخول (يا) عليها من غير شذوذ: يَا حَبَّذا زيدٌ، ولا يصح: يَا نِعْمَ، هذا شاذ، وأمَّا حبَّذا فيجوز.
وتزيد عليها من حيث المدح – تزيد (حَبَّ) على (نِعْمَ) -: بأنها تُشْعِر بأن الممدوح محبوب وقريبٌ إلى النفس، إذا مدحته: نِعْمَ الرَّجُل زيد، ما يَدُل على أنك تُحبه، لكن إذا قلت: حَبَّذا زيدٌ، إذن: (حَبَّ) هذا فيه مَحبَّة وفي ميل القلب.
وتزيد عليها بأنها تُشْعِر بأن الممدوح مَحبوبٌ وقريب من النفس. قال ابن مالك في (شرح التسهيل): " والصحيح أن (حَبَّ) فِعلٌ يُقصَد به المحبة والمدح – جمع بينهما –، إذن: ليس كل مَمدوحٍ محبوباً، قد يكون المدح نفاق .. كَذِب، وجُعِل فاعله (ذَا) ليدل على الحضور في القلب، (ذَا) اسم إشارة، والإشارة الأصل فيها أن تكون لشيءٍ محسوس، يعني: كأنه أشيِر إليه أنه مَحلَّه .. مَسْكَنه القلب، حينئذٍ دَلَّتْ على ما دَلَّ عليه (حَبَّ).