إذن: ثلاثة أقوال فيما إذا تلاها اسمٌ مُفردٌ، وهذه قد يُقال بأنه داخلةٌ في كلام الناظم الحالة الثانية، بأن يُراد بـ: (نَحْوِ نِعْمَ مَا يَقُولُ الفَاضِلُ) كل تركيبٍ وقعت فيه (مَا) بعد (نِعْمَ) متلوةٌ بِشيءٍ اسماً كان أو جملة، فيكون قد ذكر مثال ودَلَّ به على غيره (نِعْمَ مَا يَقُولُ الفَاضِلُ) يعني: كلَّمَا ذُكِرَت (مَا) بعد (نِعْمَ) وتلاها شيءٌ، ثُمَّ هذا الشيء منه ما هو جملة، ومنه ما هو اسمٌ، وذكر مثالاً للجملة وأحال على الاسم، هذا مُحتمِل.
وقَعَتْ فيه (مَا) بعد (نِعْمَ) متلوةً بشيء: اسم كان، أو جملةً فعلية، فإن لم يتلوها اسمٌ، ولا جملة فعلية، ولا اسمية، ولا شبه جملة، نحو: صَادَقتُ علياً فنِعْمَّا .. (نِعْمَ .. مَا) سَكَّتَ ما ذَكَرت شَيئاً بعدها، ففيها قولان للنحاة:
القول الأول: أن (مَا) معرفة تامةً .. فاعل، كأنك قُلت: صَادَقت علياً فنِعْمَ الصديق، (مَا) فاعل وهي معرفةٌ تامَّة، حينئذٍ هي الفاعل، وصارت في معنى قولك: صادقت علياً فنِعْمَ الصديق.
الثاني: أن (مَا) نكرةٌ تامَّة تَمييز، والفاعل مستتر.
وعلى القولين فالمخصوص محذوف: فَنِعْمَّا، نقول: (مَا) فاعل أو تَمييز، إمَّا فاعل حينئذٍ لا إشكال فيه فهي معرفة تامةً، والمخصوص محذوف، وإذا قيل بأنها تَمييز، حينئذٍ الفاعل ضميرٌ مُستتر، والمخصوص كذلك محذوف.
وأيضاً يُمكن دخول هذه في كلام الناظم، بأن يُراد بنحو المثال كل تركيبٍ وقعت فيه (مَا) بعد (نِعْمَ) مُطلقاً، يُمكن أن نقول: مُراده (فِي نَحْوِ نِعْمَ مَا يَقُولُ الفَاضِلُ) لأنه حَكَمَ على (مَا) إذن: المراد (فِي نَحْوِ نِعْمَ مَا يَقُولُ الفَاضِلُ) (مَا) بعد (نِعْمَ) ثُمَّ تدخل تحتها الأحوال الثلاثة: إمَّا أن يتلوها جملة، وإمَّا أن يتلوها اسمٌ مُفرَد، وإمَّا ألا يتلوها شيء، فيكون المُرجَّح عندهم في المسائل الثلاث: أن (مَا) مُميِّزٌ، إذا عمَّمْنَا المثال حينئذٍ: و (مَا) مُميِّزٌ مُطلقاً، سواءٌ قلت: (نِعْمَ مَا يَقُولُ الفَاضِلُ) (مَا) مُميِّزٌ والضمير مستتر، أو قلت: ((فَنِعِمَّا هِيَ)) [البقرة:271] (مَا) مُميِّزٌ والضمير مستتر و (هِي) المخصوص، أو قلت: (فَنِعِمَّا) فـ: (مَا) مُميِّزٌ والضمير فاعل، والمخصوص محذوف، وَقِيلَ: فَاعِلُ.
قال هُنا: " تقع (مَا) بعد (نِعْمَ) و (بِئْسَ) فتقول: نِعْمَ مَا، أو: نِعِمَّا وبِئْسمَا، ومنه قوله تعالى: ((إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ)) [البقرة:271] " ((بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ)) [البقرة:90] (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا) جاءت جملة فعلية بعد (مَا).
واختُلِف في (مَا) هذه فقال قومٌ: هي نكرة منصوبة على التمييز، وهذا ظاهر كلام الناظم، وفاعل (نِعْمَ) ضميرٌ مستتر، وقيل: هي الفاعل وهي اسمٌ معرفة، وهذا مذهب ابن خَروف ونَسَبَه إلى سيبويه.
وَيُذْكَرُ المَخْصُوصُ بَعْدُ مُبْتَدَا ... أَوْ خَبَرَ اسْمٍ لَيْسَ يَبْدُو أَبَدَا