فِعْلانِ غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ نِعْمَ وَبِئْسَ، حكم على نِعْمَ وَبِئْسَ بأنهما فعلان، وهذا على مذهب جمهور البصريين وهو المرجح أن نِعْمَ وَبِئْسَ فعلانِ وليس اسمين خلافاً للفراء ومن وافقه من الكوفيين، بدليل دخول تاء التأنيث الساكنة عليهم، وسبق أن تاء التأنيث الساكنة من خواص الأفعال، بل من خواص الفعل الماضي، وأتت -كما سبق- وأتت، أي: تاء وأتت، دالة على تأنيث المسند إليه، وهذه من خواص الفعل، بل من خواص الفعل الماضي، فلما اتصلت تاء التأنيث بِـ نِعْمَ وَبِئْسَ حكمنا عليهما بكونهما فعلين؛ لأنه اتصل بهما ما هو من خصائص الأفعال، ولذلك جاء في الحديث: {فَبِهَا وَنِعْمَتْ}، ويقال: نعمت المرأة هند، وبئست المرأةُ دعدٌ، إذن: أنثنا، نعمت المرأةُ، المرأةُ هذا فاعل، ونعمت دخلت عليه تاء التأنيث فدل على أنه فعلٌ لأنه لا يؤنثُ بهذه التاء الخاصة إلا الفعلُ، وكذلك بئست المرأةُ لا يؤنث بئسَ إلا لكونه فعلاً. وحكى الكسائي قولهم: نعما رجلينِ، ونعموا رجالاً، نعما رجلينِ، نعما الألف هذه فاعل، والفاعل هذا ضميرٌ بارز، والضمير البارز المتصل لا يتصل إلا بالفعل، فدل على أنه فعلٌ، كذلك نعموا رجالاً بالواو، هذا وإن كان شاذاً يحفظ ولا يقاس عليه إلا أنه تؤخذ منه أحكام، ولذلك سبق معنا قاعدة: أن ما كان شاذاً قد يصرح به للدلالة على الأصلية ... على أنه هو الأصل، حينئذٍ يعتبر في أخذ الأحكام، فلا نقول: هذا شاذ لا يفرع عليه، لا، نقول: نستفيد منه أنه اتصل به ضمير الاثنين في قوله: نعما رجلين، وضمير الواو نعموا رجالاً؛ لأن ضمائر الرفع لا تتصل إلا بالأفعال.
إذن: حكمنا بكون نِعْمَ وَبِئْسَ فعلين بدليلين: الأول: اتصال تاء التأنيث بهما، وتاء التأنيث لا تتصل إلا بالفعل، ثانياً: اتصال الضمائر البارزة بهما، كما فيما حكاه الكسائي: نعما رجلين ونعموا رجالاً، وضمائر الرفع المتصلة لا تتصل إلا بالأفعال، فهذا مذهب البصريين وهو المرجح، وذهب جماعة من الكوفيين ومنهم الفراء إلى أنهما اسمان: نِعْمَ اسم، وبِئْسَ اسم، حينئذٍ نقول: ما الدليل على اسميتهما وقد دخلت التاء على نِعْمَ وَبِئْسَ، ما الدليل؟ قالوا: الدليل دخول حرف الجر على نِعْمَ وَبِئْسَ، وحروف الجر من خصائص الأسماء، كما استدللتم أنتم بأن تاء التأنيث من خصائص الأفعال، وحكمتم على نِعْمَ وَبِئْسَ بأنهما فعلان، نحن نحكم عليهما بأنهما اسمان لدخول ما هو من خصائص الأسماء، واستدلوا بدخول حرف الجر عليهما في قول بعضهم: نعم السيرُ على بئس العير، وقول الآخر: والله ما هي بنعم الولدُ، حينئذٍ دخلت الباء على بئس: نعم السير على بئسَ، كما تقول: علا الرجلُ، هذا فعل، وتقول: جلستُ على الكرسي، الكرسي هذا اسم لدخول على عليه.