إذن: يستعملا بئسَ ونعمَ لإنشاء المدح والذم، وهما في هذا الاستعمال لا يتصرفان، يعني: يلزمان حالة واحدة وهي الفعل الماضي نِعْمَ وَبِئْسَ فحسب، فلا يشتق منهما فعل مضارع ولا أمرٌ ولا اسم فاعل بخلاف الاستعمال الأول؛ لخروجهما عن الأصل في الأفعال؛ لأن الأصل في الفعل أن يكون دالاً على حدث وزمن، وهذا هو الأصل، ولكن نِعْمَ وَبِئْسَ لا يدلان على الحدث ولا على الزمن، فكيف حينئذٍ نقول: هما فعلان؟ نعم هما فعلان، ويصدق عليهما حد الفعل، كلمة دلت على معنى في نفسها واقترنت بأحد الأزمنة الثلاثة، كيف اقترنت بأحد الأزمنة الثلاثة، ونحن نقول هنا: سُلب منها الزمن، وسُلب منها الحدث؟ نقول: النظر هنا باعتبار الوضع، فلا عبرة بسلب الزمن طارئاً، فإذا قيل: كلمة دلت على معنى في نفسها واقترنت بأحد الأزمنة الثلاثة، حينئذٍ خرج نِعْمَ وَبِئْسَ، ودخل اسم الفاعل واسم المفعول، ولذلك الصواب أن يزاد في حد الاسم وفي حد الفعل وضعاً، يعني: باعتبار الوضع هو الذي يكون مآلاً في ضبط الأسماء وضبط الأفعال، فيقال: كلمة دلت على معنى في نفسها واقترنت بأحد الأزمنة الثلاثة وضعاً يعني: في أصل الوضع، فإن نزع منها الدلالة على المعنى بالاستعمال لا يخرجها عن كونها فعلاً، فإن نزع منها الدلالة على أحد الأزمنة الثلاثة، حينئذٍ نقول: لا يسلبها وصف الفعلية، وإنما النظر في الأصل، حينئذٍ نقول: نعم في الأصل دال على حدثٍ وزمن، وبئسَ في الأصل .. أصل الوضع دال على حدثٍ وزمن، لكن لما استعملا في المدح والذم، حينئذٍ يرد السؤال: هل الذم والمدح يناسبه أن يكون الفعل الدال عليهما في زمن مضى وانتهى أم يناسبه أن يدل عليه فعلٌ في كل زمنٍ؟ لا شك أنه الثاني، تقول: نعم الرجل زيدٌ، مدحته، متى؟ في الزمن الماضي والآن انقطع؟ هذا لا يناسب المدح، وإنما يناسب المدح أن يكون مستمراً، ويناسب الذم الذي ينبني عليه الأحكام أن يكون مستمراً، وهذا لا يناسبه أن يدل عليه بفعلٍ ماضي ينقطع، ولذلك سُلب الزمن من نِعْمَ وَبِئْسَ للدلالة على الاستمرار، حينئذٍ نعم الرجل زيدٌ في كل وقت؛ في الماضي وفي الحال وفي المستقبل، إذن: سلبُ الزمن من: نِعْمَ وَبِئْسَ نقول: هذا عارض، لاستعمالهما في المدحِ والذمِ؛ لأن المدح والذم لا يناسبه الزمن الماضي المنقطع، ولا الزمن المستقبل، ولا الزمن الحال الذي مآله الانقطاع ينتهي، زيدٌ يصلي الآن، إذن: بعد وقت لا يصلي، لو قيل: نمدح زيد الآن: ينعمُ زيدٌ، ينعمُ الرجلُ الآن، حينئذٍ نقول: ماذا حصل؟ حصل المدح في هذا الزمن الحال، وبعد ذلك وقبل ذلك؟ نقول: هذا لا يناسبه المدح.
إذن: نقول: هما غير متصرفين لجمودهما، وخروجهما عن الأصل في الأفعال من الدلالة على الحدثِ والزمانِ، فأشبها الحرف، كما أن الحرف لا يتصرف كذلك ما أشبه الحرف لا يتصرف، حينئذٍ نقول: نِعْمَ وَبِئْسَ بالمعنى الطارئ عليهما لا يدلان إلا على المدحِ والذمِ، والكلام هنا باعتبار الاستعمال الثاني، لا باعتبار الأول.