فيجب أن يكون معرفة أو نكرة تشبه المعرفة، إما أن يكون نكرة وإما أن يكون معرفة، لكنها نكرة مختصة، أو نكرة تشبه المعرفة؛ لكونها مخصوصة، فالمعرفة نحو: ما أحسن زيداً، زيداً هذا معرفة وهو متعجب منه، وهو محكوم عليه في المعنى فحكمه حكم المبتدأ، حينئذٍ كما أنه لا يبتدأ بالنكرة المحضة حينئذٍ لا بد أن يكون المتعجب منه معرفة. فالمعرفة نحو: ما أحسن زيداً، والنكرة المخصوصة نحو: ما أسعد رجلاً اتقى ربه، يعني نكرة مخصوصة، لو قيل: ما أسعد رجلاً، ما جاز؛ لأن رجلاً هذا محكوم عليه وهو في قوة المبتدأ ولا يبتدأ بالنكرة، لما قال: اتقى ربه، صار وصفاً لـ رجلاً فجاز أن يبتدأ به، فجاز أن يقع متعجباً منه. فأما النكرة غير المختصة، أو كان نعتها غير مفيد للتخصيص فحينئذٍ لا يجوز أن يقع متعجباً منه لا فاعلاً في أفعِل بهما، ولا مفعولاً به في: ما أحسَن زيداً، لا يجوز هذا ولا ذاك. فلا يقال: ما أحسن رجلاً، لا يصح أن يقال: ما أحسن رجلاً، ولا يصح أن يقال: ما أحسن رجلاً من الناس، من الناس هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لرجل، لكن هل أفاد التقييد؟ لم يفد، إذن: يشترط في المتعجب منه على جهة العموم أن يكون معرفة أو نكرة مخصوصة؛ لأنه محكوم عليه في المعنى وهو كالمبتدأ، كما أنه لا يبتدأ بالنكرة المحضة، كذلك لا يتعجب من النكرة المحضة، حينئذٍ يجوز حذفه إن دل عليه دليل.
(وَحَذْفَ مَا مِنْهُ تَعَجَّبْتَ اسْتبَِحْ)، تَعَجَّبْتَ سماه ماذا؟ سمى المفعول متعجباً منه، وهذا توسع؛ لأن المتعجب منه هو حسنه، ما أحسن زيداً، لذلك قلنا: التعجب مأخوذ من التركيب كله لا من (ما) فقط ولا من (أحسن) فقط، ولا من (زيداً) فقط، لكن في الأصل التعجب هنا وقع من حُسن زيد، ما أحسن زيداً، فالحسن هو المتعجب منه، وزيداً هو محله، ولذلك أُعرب مفعولاً به، فحينئذٍ نقول هنا: فيه توسع في العباراة.
(وَحَذْفَ مَا مِنْهُ تَعَجَّبْتَ اسْتبَِحْ) منصوباً كان أو مجروراً، يعني في الصيغتين: ما أفعَله، وأفعِل به.
(اسْتبَِحْ) السين والتاء زائدتان أو للصيرورة، يعني صيره مباحاً.
(إِنْ كَانَ عِنْدَ الْحَذْفِ مَعْنَاهُ)، مَعْنَاهُ: يعني معنى التركيب، بعد الحذف يَضِحْ يعني: يتضح ولا يلتبس بغيره.
أُورد عليه أنه قد يفيد أنه لا يكفي مطلق الفهم، يتضح .. يُفهم، أيهما أعم؟ الفهم أخص، والوضوح أعم، إذن: لو فهم ولم يتضح لا يحذف، لو فهم بعد الحذف ولم يتضح وضوحاً بيناً نقول: لا يحذف، لكن ليس هذا مراده، إنما مراده يتضح يعني: يفهم، الانفهام. أُورد عليه: أنه قد يفيد أنه لا يكفي مطلق الفهم بل لا بد من الوضوح الذي هو قدر زائد على مجرد الفهم.
مع أن الظاهر الاكتفاء بمطلق الفهم، فيحمل الوضوح حينئذٍ على الانفهام.
قال الشارح: يجوز حذف المتعجب منه وهو المنصوب بعد أفعَل والمجرور بالباء بعد أفعِل إذا دل عليه دليل، لكنه ليس مطلقاً، ليس كل متعجب منه يجوز حذفه، سواء كان في: ما أفعَل أو أفعِل.