الجماهير لا، على أنه لا يوجد كلمةً لا معربة ولا مبنية؛ لأن القسمة محصورة في اثنين لا ثالث لهما، وإن كان عبارة الناظم لا تدل على ذلك، لكن سيأتي تقريره، غلامي: قال بعض النحاة: هذا لا معرب ولا مبني، غلامي: هذا مضاف إلى ياء المتكلم، يعني: ليس ذات غلامي، وإنما المضاف إلى ياء المتكلم، المشهور أنه من الإعراب التقديري كما سيأتي.

حينئذٍ نقول: غلامِ هذا ملازم للكسر، أليس كذلك؟ وما لازم حركةً واحدةً رفعاً ونصباً وجراً، جاء غلامِ .. رأيت غلامِ .. مررت غلامِ، هل هذا معرب؟ الأصل لا، نقول: أثر ظاهر أو مقدر يجلبه العامل، وقلنا: العامل ما أوجب كون آخر الكلمة على وجه مخصوص من رفع أو نصب أو خفض أو جزم، حينئذٍ يتغير آخر الكلمة بتغير وتبادل واختلاف العوامل، إن ركب معه عامل يقتضي الرفع وجب رفعه، وإن ركب معه عامل يقتضي النصب وجب نصبه، يعني: المعمول، وكذلك مع الخفض.

فحينئذٍ جاء غلامِ، ورأيت غلامِ، ومررت غلامِ، لم يتغير، إذاً: ليس معرباً، هذا شبهة عندهم، ليس معرباً، فحينئذٍ لعدم تغير الحركة بتغير العوامل نفينا كونه معرباً، ولماذا ليس مبنياً؟ قالوا: لأن المبني محصور في شبه الحرف، علة البناء محصورة في شبه الحرف، وغلامي لم يشبه الحرف حتى يبنى، الاسم لا يبنى إلا إذا أشبه الحرف، وغلامي لم يشبه الحرف، إذاً: ليس مبنياً، فصار المضاف إلى ياء المتكلم واسطةً بين المعرب والمبني، فيقال فيه: لا معرب ولا مبني.

والجواب أن يقال: بأنه معرب، والمعرب نوعان: معرب إعراباً ظاهراً، ومعرب إعراباً تقديراً.

وغلامي: لا شك أنه من الثاني، لماذا؟ لأن الكسرة المجلوبة لمناسبة الياء هنا، هل هي سابقة على العامل، أم تالية لاحقة؟ هذا ينبني عليه خلاف آخر، سابقة أم لاحقة؟ لو جئنا المسألة بالعقل هكذا: إذا أردت أن تضيف (غلام زيد)، هل أولاً تضيفه في نفسك فتقول: غلام زيد، ثم تسلط عليه العامل، أو تقول: جاء ثم تأتي بغلام زيد وتضيفه؟ أيهما أسبق: عملية الإضافة أم تسليط العامل؟

لا شك أن الإضافة أسبق، حينئذٍ لما وجدت الإضافة سابقةً على العامل حينئذٍ وجد لازم الإضافة إلى الياء، وهو أن يكون ما قبل الياء مكسوراً، إذاً: قلت غلامي، فهذه الكسرة لمناسبة الياء، فلما سلط عليه العامل: جاء غلامِ وجد أن الحرف قد اشتغل بحرف سابق على دخوله، فحينئذٍ إما أن يسقطه فتحل الضمة وإما أن يبقى، ويتعذر إسقاطه، لماذا؟ لأنه يمتنع وجود ياء قبلها ضمة، بل لا بد من كسرة، كما سيأتي في آخر الباب التالي.

فحينئذٍ لما تعذر النطق بالضمة وإسقاط الكسرة التي هي لمناسبة الياء حينئذٍ جعل الإعراب تقديرياً، فقيل: جاء فعل ماضي، وغلامي: فاعل مرفوع بجاء، ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، فحينئذٍ العامل تسلط على غلامي بعده، فلا معارضة بينهما حتى نقول: هذه الكسرة ليست بحركة إعراب ولا حركة بناء، بل هي كسرة مناسبة، والعامل مسلط وله أثر في التقدير، كما هو الشأن في الفتى والقاضي، نقول: هذا مقدر والتقدير موجود في لسان العرب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015