علمنا أن مراد الناظم بهذه الأبيات السابقة: أنه يرى القياس، ولا يرى أن مصادر الثلاثي المجرد سماعية؛ لأنه قال: وَمَا أَتَى، يعني: وما أتاك من المصادر للثلاثي المجرد فعَل بنوعيه وفعِل بنوعيه وفعُل، ما جاء مخالفاً لما سبق فبابه النقل .. طريقه النقل عن العرب لا القياس، مثل ماذا؟ سُخْطِ، سَخِطَ زيدٌ، سَخِطَ زيدٌ هذا فعِل لازم يكون على وزن الفعَل سَخَط هذا الأصل، لكنه سمع سُخْط، هذا لم يوافق القياس، هو سُمع سَخَط وسُمع سُخْط وحينئذٍ نقول: سُخْط هذا مخالف للقياس، فبابه النقل يعني: السماع عن العرب.
وَرِضَى: رضي زيدٌ، الأصل رضَيَ، رضى مثل جوى، وحينئذٍ نقول: هذا بابه القياس.
إذاً: وَمَا أَتَى مُخَالِفاً
مَا: مبتدأ شرطية.
أَتَى: من مصادر أبنية الثلاثي.
مُخَالِفاً: حال كونه مخالفاً.
لِمَا مَضَى وقُرَّرَ وقُعِّدَ من الأصول السابقة؛ فَبَابُهُ الفاء واقعة في جواب الشرط، بَابُهُ النَّقْلُ: مبتدأ وخبر، والجملة في محل جزم جواب الشرط.
فَبَابُهُ النَّقْلُ: يعني طريقه النقل عن العرب لا القياس.
كَسُخْطٍ وَرِضَى: كقولهم في فعَل المتعدي: جَحده جُحوداً، جَحَدَ جَحْداً سُمع جَحْداً لكنه سُمع: جُحوداً فُعُول، فُعُول ليس لفعَلَ المتعدي وإنما هو لفعَلَ اللازم، نقول: هذا بابه النقل.
كقولهم يعني: العرب في فعَل المتعدي جحده جُحوداً وشكره شُكوراً وشُكراناً، وقالوا: جَحْداً على القياس، وفي فعَل القاصر يعني اللازم: مات موتاً، القياس ما هو؟ فَعَل القاصر اللازم، فَعَل بالفتح، قياس مصدره الفعول، قالوا ماذا؟ مات موتاً، مات زيدٌ مَوَتَ زيدٌ، الأصل أن يكون على وزن الفُعول لكن ما سُمع، سُمع على وزن فعَل. إذاً: جاء بالمتعدي. ومات موتاً، وفاز فوزاً، وحكم حكماً، وشاخ شيخوخةً، ونم نميمةً، وذهب ذَهاباً.
وفي فعِل القاصر .. اللازم رغب رُغوبةً، ورضي رضى وبخل بخلاً وسخط سخطاً، وأما البَخَل والسَخَط فعلى القياس.
وفي فَعُل حسُن حُسناً والأصل أن يكون على فُعُولةٍ وفعَالة، لكن سمع فيه حُسْناً نقول: هذا بابه النقل.
وقبُح قُبحاً، إذاً بابه النقل.
إذاً: القواعد السابقة هي الأصول وهي القياس، فما سُمع من لسان العرب حينئذٍ نكتفي به.
ولا يقاس، فلا نقول: سُمع حُكْماً والأصل: حَكْماً، حكم زيدٌ كذا، حينئذٍ نقول: الأصل أن يأتي على وزن الفَعْل مثلاً، فإذا سمع خلاف الأصل لا نقيس الأصل، بناءً على أن القياس في هذا الباب إنما يكون عند عدم سماع مصدر البتة، فإن سمع ما هو مخالف للقياس اكتفينا به ولا نقيس، وإنما القياس يكون عند عدم سماع مصدر مطلقاً.
هذا ما يتعلق بالثلاثي المجرد.
وأما الثلاثي المزيد فأشار إليه بقوله:
وَغَيْرُ ذِي ثَلاَثَةٍ مَقِيسُ ... مَصْدَرِهِ كَقُدَّسَ التَّقْدِيسُ
مَصْدَرُهُ .. مَصْدَرِهِ هذا يجوز فيه الوجهان.