إذن عمل فيما بعده، لماذا؟ لتحقق الشرطين:
أولاً: كونه بمعنى الحال أو الاستقبال، وليس بمعنى المضي.
ثانياً: كونه تالياً لنداء .. لحرف نداء، فإذا كان اسم الفاعل تالياً لنداء، يعني: وليه .. ولي نداء، حينئذٍ صار مسوغاً له ومعتمداً عليه.
أَوْ حَرْفَ نِدَا نحو: يَا طَالِعاً جَبَلاً، هكذا أورده المصنف رحمه الله تعالى، والصواب أن النداء ليس من ذلك في شيء، لماذا؟ لأننا نريد أن نقرِّب اسم الفاعل من الفعلية، حينئذٍ لا بد أن يلي شيئاً يقربه ولا شك أن النداء من خصائص الأسماء، ولذلك هو من علامات الأسماء، فيكف يكون مقرباً له؟ هذا محل إشكال.
والصواب: أن النداء ليس من ذلك، والمسوِّغ إنما هو الاعتماد على الموصوف المقدر، والتقدير: يا رجلاً طالعاً جبلاً، يا رجلاً طالعاً، فـ (طالعاً) هذا صفة لموصوف محذوف، إذن اعتمد على ماذا؟ على موصوف محذوف، وسيأتي أن الصفة قد تكون مذكورة، وقد تكون محذوفة.
إذن:
يَا طَالِعاً جَبَلاً، أصله: يا رجلاً طالعاً جبلاً؛ لأن حرف النداء، مختص بالاسم فكيف يكون مقرباً من الفعل، وأجيب بأن الناظم لم يدَّعِ أنه مسوِّغ، إنما قال: يلي، فقط يلي، حينئذٍ إذا وليه لا يلزم منه أن يكون المسوغ له حرف النداء، وإنما شيء آخر وهو اعتماده على موصوف مقدر، إذن لماذا ذكره؟ ذكره لئلا يتوهم متوهم أن اسم الفاعل إذا ولي النداء، والنداء من خصائص الأسماء ألا يعمل، فدفعاً لهذا الوهم ذكره، إذن لم يدعِ الناظم هنا أن النداء مسوغ، بل أن الوصف إذا ولي حرف النداء عمل، هذا مراده، ولذلك قال: وَوَلِيَ اسْتِفْهَاماً أَوْ حَرْفَ نِدَا، إذا جاء اسم الفاعل بعد حرف النداء يعمل، لم يقل بأنه اعتمد عليه، وهذا لا ينافي كون المسوغ الاعتماد على الموصوف المحذوف، وإنما صرح به هنا مع كونه داخلاً في قوله الآتي:
وَقَدْ يَكُونُ نَعْتَ مَحْذُوفٍ عُرِفَ لدفع توهم أن اسم الفاعل لا يعمل إذا ولي حرف النداء لبعده عن الفعل، إذن: دفعاً لهذا الوهم ذكره هنا وإلا الأصل أنه داخل في البيت الآتي: وَقَدْ يَكُونُ نَعْتَ مَحْذُوفٍ عُرِفَ
ومنه أن يكون تالياً للنداء، كل ما وجدت اسم فاعل تالياً لحرف النداء فاعلم أنه ليس معتمداً عليه وليس المسوغ له حرف النداء، وإنما هو موصوف محذوف.
يَا طَالِعاً جَبَلاً، يعني: يا رجلاً طالعاً جبلاً، وذِكرُ الناظم هنا له ليس لكونه مسوغاً لذاته، وإنما لدفع وهم ألا يتوهم متوهم أن حرف النداء من خصائص الأسماء، فإذا تليه -وهذا ظاهر-، إذا تليه اسم الفاعل فالمتبادر للذهن أنه لا يعمل؛ لأنه قد تلى ما هو من خصائص الأسماء، هذا الظاهر، فذِكرُه هنا حينئذٍ لا ينافيه.
أَوْ نَفْياً: أَوْ للتنويع، نَفْياً يعني: بعد أداة نفي ولو تأويلاً، مثل: ما ضاربٌ زيدٌ عمراً، (ما): حرف نفي، (ضاربٌ) هذا اسم فاعل، عمل لوجود وتحقق الشرطين، وهما: كونه بمعنى الحال أو الاستقبال، وقد اعتمد على نفي، والنافي هنا حرف.