إِنْ كَانَ عَنْ مُضِيِّهِ بِمَعْزِلِ بأن كان دالاً على الحال أو الاستقبال، هذا ضارب زيداً الآن أو غداً، هذا ضارب زيداً، ضارب: هذا اسم فاعل، عمل لكونه أشبه الفعل المضارع، في الحركات والسكنات وفي المعنى، وهنا دل على زمن هو الحال، هذا ضارب زيداً الآن، غيَّرته، من باب التأكيد فحسب، وإلا لو أطلق انصرف إلى الحال، هذا ضارب زيداً غداً، قيدته، حينئذٍ يعمل عمل فعله، فهو دال على الاستقبال.
إن كان دالاً على المضي حينئذٍ لا يعمل، (هذا ضارب زيداً أمسِ) لا يصح، لا يصح أن يكون زيداً منصوب بـ (ضارب)، بل تجب حينئذٍ الإضافة، فيقال: (هذا ضاربُ زيدٍ أمس) ولا يجوز إعماله، لماذا؟ لتخلف شرط من شرطي إعمال اسم الفاعل النصب، وهو كونه: بمعزل عن المضي، فإن كان دالاً على الماضي حينئذٍ لا يعمل عمل فعله.
وإن كان بمعنى الماضي لم يعمل، لأنه حينئذٍ لا يكون بمعنى: يضرب، وإنما يكون بمعنى: ضرب، وإذا كان كذلك حينئذٍ صار بمعزل عن العمل. لعدم جريانه على الفعل الذي هو بمعناه فهو مشبه له معنىً لا لفظاً، يعني من حيث الدلالة على الحدث، دل على الحدث وهذا لا إشكال فيه، فلا تقول: هذا ضاربٌ زيداً أمس، بل تجب إضافته، تقول: هذا ضاربُ زيدٍ أمس، وأجاز الكسائي إعماله مطلقاً، يعني المجرد جوز الكسائي إعماله مطلقاً، ولم يقيده بدلالته على زمن الحال أو الاستقبال، بل عنده الماضي كذلك يعمل عمل الفعل، يعني ينصب، واستدل بقوله تعالى: ((وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ)) [الكهف:18] بَاسِطٌ، هذا خبر، كَلْبُهُمْ مبتدأ، وباسط خبره، وفيه فاعل مستتر، هو أي: الكلب.
ذِرَاعَيْهِ: تثنية ذراع، جاء بالياء، إذن هو منصوب بـ (بَاسِطٌ)، وهنا باسط هذا دال على الزمن الماضي، هكذا قال: باسط، ((كَلْبُهُمْ بَاسِطٌ)) [الكهف:18] والحكاية حكاية شيء وقع في زمن مضى، حينئذٍ صار باسط بمعنى بسط ذراعيه، فليس بمعنى الحال أو الاستقبال وقد نصب هنا .. نصب ذراعيه، هكذا استدل الكسائي بهذه الآية.
فذراعيه منصوب بـ (بَاسِطٌ)، وهو ماضٍ، وأجيب من جهة المانع بأنه حكاية حال ماضية، والمعنى يبسط ذراعيه، يعني: باسط وإن كان في ظاهره أنه بمعنى الماضي، إلا أنه في معنى الاستقبال، بدليل ما قبله وهو قوله: ((وَنُقَلِّبُهُمْ)) [الكهف:18]، ما قال: قلبناهم، ((وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ)) [الكهف:18]، ثم قال: ((وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ)) [الكهف:18] إذن يبسط ذراعيه. ولم يقل: وقلبناهم، حينئذٍ صارت المسألة حكاية حال ماضية، بأن يفرض ما وقع واقعاً الآن فيعبَّر عنه بالمضارع، إذن لا وجه لاستدلال الكسائي بالآية، لأن (باسط) وهو ماض قد عمل في (ذراعيه) فنصبه وهو بمعنى الماضي، فالجواب أن (بَاسِطٌ) هنا بمعنى: (يبسط)، بدليل سياق الآية، لأنه قال: ((وَنُقَلِّبُهُمْ)) [الكهف:18] ما قال: وقلبناهم، لما قال: ((وَنُقَلِّبُهُمْ)) [الكهف:18]، علمنا أن باسط بمعنى يبسط، لا بمعنى بسط.