ثم هذا يُستثنى منه حالة وهي: أنه لا يُقام مقامَ المضاف إليه وإنما يبقى على حاله، إذن هذا استثناء من استثناء، وإن شئتَ قل: خروجٌ عن خروجٍ؛ لأنَّ الأول خروج، الأصل عدم الحذف، والمضاف والمضاف إليه كالجزءِ الواحد .. كالكلمة الواحدة، حينئذٍ لا يجوزُ حذفُ الجزءِ الأول، لكن لما عُلِم ساعدَت القرينة وقوَّت حذف المضاف، إذن خرجنا عن الأصل.
ثم خروجٌ آخر وهو أن لا يُقام المضاف إليه مقامَه، فيبقى على ما هو عليه من جرّه. وفُهِم من قوله: وَرُبَّمَا أن هذا قليل، ومع قلّته كذلك فيه شرط، لَكِنْ بِشَرْطِ كما سيأتي.
وَرُبَّمَا جَرُّوا: أي العرب يعني استداموا جرّ، ليس جرّاً جديداً، إذا حُذِف المضاف وبقي المضاف إليه على حاله من الجرّ فحينئذٍ نقول: الجرّ الذي قبلَ حذف المضاف هو نفسه الجرّ بعدَ حذفه وليس ثَم جرٌّ جديد، ولذلك رُبَّمَا جَرُّوا أي استداموا جرّ.
الَّذِي أَبْقَوْا: بعدَ حذف المضاف وهو المضاف إليه.
كَمَا قَدْ كَانَ قَبْلَ حَذْفِ مَا تَقَدَّمَا: هذا معلوم، لماذا نصَّ عليه؟ كما تشبيه، يعني بقي المضاف مجروراً بعد حذف المضاف كما هو الشأن قبل حذفِه، عندنا مُشبّه ومشبّه به، أي كالجرّ الذي قد كان ودفَعَ به توهم أن هذا جرٌّ جديدٌ بجار آخر غير المضاف، يعني كما قد كان قبلَ حذف، قد يُفهم مِن قوله: (وَرُبَّمَا جَرُّوا الَّذِي أَبْقَوْا) أنه مجرور بعامل جديد ليس هو المضاف الذي حُذِف، لا، ليسَ الأمر كذلك، بل هو العامل قبلَ الحذف هو عينه العامل بعد الحذف، والجرّ قبل الحذف هو عينه الجرّ بعد الحذف، فالكسرة هي الكسرة والعامل هو العامل قبل الحذف وبعد الحذف.
إذن: (كَمَا قَدْ كَانَ) نقول: هذا نصَّ عليه دفعاً لتوهم أن يتوهّم مُتوهِّم بأن الجرّ الذي بقي بعدَ حذف المضاف هذا جرٌّ جديد، وليس الأمرُ كذلك بل هو سابق. بجرٍّ آخر غير مضاف، والمغايرة بين المشبه والمشبه به لا بالذات بل باعتبار اختلاف صورة التركيب؛ لأنه جاءَ بكاف التشبيه (كَمَا).