وأما ((وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ)) [البقرة:93] العجل لا يُشرَب في قلوبهم، يعني أُشربوا حبّ العجل؛ إذن هناك مضاف محذوف وهو حب والعجل مضاف إليه.
وَمَا يَلِي الْمُضَافَ يَأْتِي خَلَفَا ... عَنْهُ في الاِعْرَابِ إِذَا مَا حُذِفَا
يعني: إذا حذف.
قال الشارح: يحذف المضاف لقيام قرينة تدلّ عليه، ويُقام المضاف إليه مقامَه فيُعرب بإعرابه نصباً أو رفعاً أو خفضاً، كقوله تعالى: ((وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ)) [البقرة:93] أي: حبّ العجل؛ لأن هنا لا يُقال العجل، أُشربوا العجل نفسَ العجل ذات العجل! لا، ليسَ هذا المراد، فيتعيّنُ حينئذٍ حذف مضاف، وكقوله تعالى: ((وَجَاءَ رَبُّكَ)) [الفجر:22] أي: أمرُ ربك، هذا باطل، هذا يذكرونه كثيراً، فحُذف المضاف وهو حبّ وأمر، وأُعرِب المضاف إليه وهو العجل وربك بإعرابه.
(وَجَاءَ رَبُّكَ) هذا ممتنعٌ عندهم أن يتصف الربُّ بالمجيء، فتعيّنَ القول بالمجاز وهو حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وهنا إذا كان هذا باطلٌ ما يلزم أن نقول: بأنه في اللغة لا يُحذَف المضاف ويُقام المضاف إليه مقامَه، فإذا استُخدمت هذه اللغة في أمر باطل فاسد .. تأويل وتحريف آيات الصفات، هل نرجع إلى القاعدة فنبطلُها لأنهم استعملوه في باطل؟ الجواب: لا، وإنما نقولُ هنا: (وَجَاءَ رَبُّكَ) ليسَ على حذف مضاف، القول باطل، لدليل خارجي وهو أن الربّ جل وعلا مُتصف بصفات، سواء كانت الصفات ذاتية أم فعلية، اختيارية أم لا .. فحينئذٍ لا يمنعُ أن نقول بالقاعدة مع إبطال هذا القول، ولو قالوا بأنه مجازٌ نقول: هنا المجاز لا يُستعمل، لماذا؟ لأنهم عدلوا -هذه انتبه لها فإنه يغلطُ فيها بعض الطلاب: إنكارُ المجاز لا يكون ردّاً على الأشاعرة في باطلهم ولا المعتزلة ولا الجهمية .. إنكارُ المجاز لا يكون ردّاً عليهم، وإذا جعلت السلاح في إبطال معتقد الأشاعرة هو المجاز أنت ضعيف، لماذا؟ لأن المجازَ استُعمِل سلاحاً ثانوياً لا أولياً، كيف؟ الأول: (وَجَاءَ رَبُّكَ) أول ما قرؤوا فهِموا من (وَجَاءَ رَبُّكَ) المجيءُ تمشي برجلين، لا بدّ أن يحويك شيء علوي وأرض تقلّك، إذا زالت عنك سقطت! لم يفهموا من هذا النصّ إلا هذه المعاني، هذا أولاً.