قال سيبويه: ولا ينتصب بعد (لدن) مِن الأسماء غير (غدوة) فقط، حينئذٍ لا يكون قياس، إنما يُحفظ ولا يُقاس عليه.
ومَا زَالَ مُهْرِي مَزْجَرَ الكَلْبِ مِنْهُم ... لَدُنْ غُدْوَةً حتَّى دَنَتْ لِغُروبِ
لدن: الأصل أن يكون ما بعدَها مضاف إليه، هذا الأصل أن يكون مجروراً، قلنا (غدوة) بالنصب، فحينئذٍ اختلفَ النحاةُ على ثلاثةِ أقوال في نصب (غدوة)، على أي وجه؟ هل هو تمييز أو حال أو مفعول به أو أو إلى آخره.
وقيل: منصوبةٌ على التمييز، وهو اختيارُ المصنف، ولهذا قالَ وَنَصْبُ غُدْوَةٍ بِهَا عَنْهُمْ نَدَرْ، لكن هذا ليسَ فيه دلالة على أنه أرادَ به التمييز.
وَنَصْبُ غُدْوَةٍ بِهَا عَنْهُمْ نَدَرْ، هل فيه إشارة إلى أنه تمييز؟
على كلٍّ ليس بظاهر، ليسَ بظاهر أن الناظم اختارَ هذا القول .. يُتأمّل.
وقيل: هي خبرٌ لكان الناقصة المحذوفة، مع اسمِها، والتقدير: لدن كانتِ الساعةُ غدوةُ، إذن: لَدُنْ غُدْوَةً، هذا خبرُ كان الناقصةِ المحذوفةِ مع اسمها، لدن كانتِ الساعةُ غدوةً.
وقيل -القول الثالث- على التشبيه بالمفعول، غدوة تشبيهٌ بالمفعول؛ لشبه (لدن) باسمِ الفاعل المنون، في ثبوتِ نونها تارة وحذفها أخرى، ولكن يضعِّفُه سماعُ النصبِ بها محذوفة النون (لدُ غدوةً)، يعني فيه روايتان: لدن غدوة، لد غدوة.
ويجوزُ في (غدوة) الجرُّ بالإضافة على الأصل وهو القياس، يعني في غير البيت، ونصبُها نادرٌ في القياس، فلو عَطفت على (غدوة) المنصوبة بعد (لدن) جازَ النصبُ عطفاً على اللفظ والجرُّ مراعاةً للأصل: (لدن غدوة وعشيةً وعشيةٍ) جاز الوجهان، مراعاةً للأصل جررتَ، ومراعاةً للفظ نصبتَ.
لكن الظاهر هذا فيه نظر؛ لأنه ليسَ لها محلان غدوة هنا، هنا نصبت على أنها تمييز أو خبر كان، أو مفعول به، إذن خرجَت عن المحلية، فانفصلَت فقُطعت (لدن)، إذا عُطِف عليها الأصل أنه لا يجوزُ الجرّ، ليسَ عندنا محلّ لم يبقَ المحل أصلي؛ لأننا حكَمنا عليها بأنها قُطعت، على كلٍّ هنا ذهبَ إلى أنه يجوزُ فيه وجهان: عشيةً وعشيةٍ .. عشيةً على اللفظ، وعشيةٍ على المحل، على الأصل، وأين هو الأصل؟ الأصلُ مقطوعٌ عنه، فُصلت (لدن) عن الإضافة.
ذكرَ ذلك الأخفشُ وحكى الكوفيون الرفعَ في (غدوة) بعد (لدن)، يعني جوَّزوا (من لدن غدوةٌ)، واختلفوا في الإعراب، قيل: مرفوعٌ بكان التامة المحذوفة والتقدير: (لدن كانت غدوة)، يعني وُجِدت غدوةٌ، فهي فاعلٌ لكان المحذوفة.
وقيل: خبرٌ لمبتدأ محذوف، والتقدير: (لدن وقت هو غدوةٌ)، وقيل: على التشبيه بالفاعل.
نقف على هذا، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!