إن وليه حينئذٍ حكمنا عليه بأنه فعل مضارع، وأما في هذا التركيب؛ لأنه لو أراد الفعل المضارع الجزم عليه بأنه فعل مضارع، قال: كلم يشم، فأدخل عليه لم، لكن نقول: هذا تأخير من تقديم، فعل: مبتدأ، ومضارع: نعته، وخبره: الجملة يلي، وقوله: كيشم مثال للمضارع قبل دخول لم، لا للمضارع بعد دخول لم، لماذا؟ لأنه متأخر من تقديم، والأصل: فعل مضارع كيشم يلي لم، لا مثال للمضارع المقترن بلم، إذ لو كان كذلك لقال: كلم يشم، وهذا واضح بين.
إذاً: فعل مضارع يختص بلم، وهذه لم كما قلنا: حرف نفي وجزم وقلب، نفي: لأنها تنفي الحدث، لم يضرب زيدٌ عمرواً، لم يضرب نفت الحدث وقوعه، وجزم: لأنها تعمل الجزم في الفعل المضارع، وقلب: لأنها قلبت الزمن من الحال إلى الماضي، ولذلك سبق أن: لم يضرب: هذا ماضٍ من جهة المعنى، لا من جهة اللفظ، أما في اللفظ فهو مضارع.
فِعْلٌ مُضَارِعٌ يَلِي لَمْ كَيَشَمْ
وهل يتميز الفعل المضارع بغير لم؟ الجواب: نعم، ولذلك ابن هشام رحمه الله في قطر الندى جعل هذه علامةً تبعاً لابن مالك، وابن مالك هنا ميز الفعل المضارع عن الماضي والأمر بلم، ولم يجعله متميزاً عنهما بحروف أنيت، والصحيح أن تمييز الفعل المضارع بحروف أنيت أولى من تمييزه بلم، على خلاف ما قرره ابن هشام هناك رحمه الله تعالى.
وَمَاضِيَ الأفْعَالِ بِالتَّا مِزْ وَسِمْ ... بِالنُّونِ فِعْلَ الأمْرِ إِنْ أمْرٌ فُهِمْ
هذا داخل في الأبيات السابقة؛ لأنه عمم أولاً قال:
بتَا فَعَلْتَ وَأَتَتْ وَيَا افْعَلِي ... وَنُونِ أقْبِلَنَّ فِعْلٌ يَنْجَلِي
فِعْلٌ سواء كان ماضياً أو مضارعاً أو أمراً، أراد أن يفصل لنا كل فعل، ما الذي يدخل عليه من تلك العلامات، فبدأ بالمضارع، وقدمه على الماضي والأمر لشرفه بالإعراب كما سيأتينا في قوله: وَأَعْرَبُوْا مُضَارِعَاً، ولم سمي الفعل مضارعاً، وما وجه إعرابهم؟
ثم ثنى بالفعل الماضي للاتفاق على أنه مبني بين الكوفيين والبصريين، وثلث بفعل الأمر لوجود الاختلاف بين الطائفتين، يعني: الكوفيين والبصريين.
وَمَاضِيَ الأفْعَالِ .. الإضافة هنا على معنى: من التبعيضية، يعني: الماضي من الأفعال؛ لأن الأفعال ماضي وغيرها، فحينئذٍ لا بد من التقدير، وماضي الأفعال، يعني: الماضي من الأفعال، إذ ليس كل الأفعال فعل ماضي، وماضي بالنصب على أنه مفعول به لقوله: مز.
مِز: هذا فعل أمر، من ماز يميزه، يقال: مزته فامتاز وميزته فتميز، يعني: يكون مخففاً ويكون مثقلاً، مز، أي: علم وميز وافصل ماضي الأفعال: الماضي من الأفعال، بالتاء، أي تاء؟ تاء فعلتَ وتاء أتتْ، إذاً: أل هذه ماذا نسميها؟ أل: عهدية، والمعهود التاءان؛ لأن الشيء إذا كان نكرةً وأعيد معرفةً فهو عين الأولى، وهو قال: تاء فعلت، وتاء أتت، نكرة؛ لأن تاء نكرة، وفعلت هذا نكرة، فحينئذٍ هل قوله: بالتاء يحمل على أن التاء هنا للعهد، يعني: عهد تاء الفاعل دون تاء التأنيث، أو تاء التأنيث دون تاء الفاعل .. هل المعهود أحد التائين أم الثنتان؟ الثنتان، لماذا؟ لأن الفعل الماضي يختص بتاء الفاعل، ويختص بتاء أتت.